Monday 07/07/2014 Issue 15257 الأثنين 09 رمضان 1435 العدد
07-07-2014

إن العيون التي في طرفها.. حسد!

يتشكل الوعي السعودي وتتبلور أبعاده على عدة مفاهيم يتوارثها المجتمع جيلاً بعد جيل دون أن يدرك أن بعضها يلقي به إلى مزيد من التخلف والتراجع بل وحتى التعاسة المتواصلة، وأبرز تلك المفاهيم الذهنية التي تعشعش داخل فكر جمع كبير من الناس هي الخوف من العين والحذر من الحسد وشروره، ولاشك أن الحسد أمرمذكور في القرآن الكريم متبوعا بتذكير من شره، ولكن الكارثة الحقيقية حين تتحول حياة بعض الناس إلى جحيم مقيم بسبب توهمهم أنهم يعيشون داخل دائرة ضيقة تحاصرها أعين حاسدة وقلوب متربصة.

فإن أجزل الله عليهم عطاء ونعماً من أي نوع فإنهم يكتمونه ولا يصرحون به، بل إنهم قد ينكرونه خوفاً وحذراً من الحسد، وإن أثنيت عليهم ومدحت شيئاً يخصهم فإنهم يباغتونك حين يجبروك على قول (ما شاء الله، ولا إله إلا الله) ويشعرونك أن تجاوزت حدودك كثيرا إن لم تتبع ثناءك بذكر اسم الله، بل من الممكن أن يدرج اسمك في القائمة السوداء للحساد لديهم.

وللأسف فإن هذه الظاهرة التي تنتشر كانتشار النار في الهشيم في مجتمعنا، تسجل حضورا أقوى في عالم النساء. اللاتي يؤمن إيماناًً مطلقاًً بأنهم محط أنظارالحسودات من النساء، فإن أصابهن مكروه أو أذى أو تشاجرت مع زوجها، أو ألغيت رحلة سفر أو أي مشروع آخر، وإن كان تافهاًً، فإنهن يربطن ذلك تلقائيا بالعين والحسد والغيرة.

فستتعجبون مثلي -أعزاء القراء- حين تقرؤون تلك القصة المضحكة المبكية للمرأة السعودية التي رزقها الله بزوج صالح، دمث الخلق، طيب المعشر وكريم سخي.. وكانت زوجته (المصون) تنكر ذلك بالعلن حين تتصدر المجالس وتبدأ شكواها وتؤكد أنه سيئ الطباع متقلب المزاج، بل إنه ضربها في أكثر من مناسبة! وقد تذرف الدموع أحيانا -حسب قوة المشهد الدرامي- الذي كانت ضحيته على مرّ السنين، وكل تلك الدراما والقصص المحبوكة حتى تتخلص من أعين النساء اللاتي لم يسألنها أصلاًً عن زوجها! الجدير بالذكر أن زوجها علم بأنها كانت تتولى مهمة تشويه سمعته بامتياز فطلقها، وهجرتها صديقاتها على اعتبار أنها مريضة نفسياًً.

أما في ذلك مبالغة مقيتة تتحول أحيانا إلى علة نفسية تتطلب تدخلا طبيا لحله؟

إلى متى ستظل هذه الفئة من الناس -التي تعتقد أنها محور العالم- تعيش حالة طوارئ تحسباً لوقوع أي أذى مصدره عين ناقمة أو حاسدة؟

وإلى متى سيبقى الآباء يضللون أبناءهم حين يزرعون فيهم فكرة أن جميع الناس أعداء متوقعون قد يضمرون لك الحسد والغيرة، فيقتلون طفولتهم ويغتالون فرحتهم حينما يحذرونهم من الإفصاح عن أي مشروع جميل قاموا أو سيقومون به؟

متى سنغرس قي نفوس أبنائنا وأنفسنا قبلهم أننا «محسودون وشر الناس منزلة من عاش بين الناس غير محسود» أي أنه شخص جامد اتكالي لا يعمل ولا يجتهد وبالتالي ليس موضع حسد أو ترشح لذلك، بينما يعيش الشخص المنتج المبدع المتميز في مجتمعه وبين أقرانه دوما تحت الأضواء وفي صلب أحاديث الناس لأنه تحرك وعمل وأضاف وكسب احترام البعض وأصبح البعض الآخر مشغولا في متابعة عيوبه واقتناص خطاياه وزلاته لأن (نقائص العظماء.. عزاء التافهين).

أخيراً.. أن تعيش محسوداً لعمل نافع وعظيم قمت به لخدمة دينك ووطنك وأمتك خيرلك من أن تحيا خارج دائرة ذلك لكونك عنصرا سلبيا ومملا وغير منتج لا يضيف لمحيطه سوى الإحباط والنقد، فكما يقول المثل: «مجتمعنا ينشغل بالخوف من العين والحسد، أكثر من الانشغال بشيء يستحق أن يحسد عليه حقاً!

Twitter:@lubnaalkhamis

مقالات أخرى للكاتب