Monday 14/07/2014 Issue 15264 الأثنين 16 رمضان 1435 العدد
14-07-2014

عبدالله السديري والقريات: آن له أن يكرم بعد رحيله

** من الأشياء الجميلة في القريات والتي لا نزال نشعر بجماليتها إلى اليوم أموركثيرة.. قد يكون لقلة ما أضيف من جماليات لها أو لتلاشي الإحساس بالأشياء أو لفقداننا حاسة التذوق.

** أقول جماليات لازال لها طعم ونكهة رغم تقادم السنين عليها لكن لازالت تحتفظ بتلك الروح..

** حين تعبر طريق الملك فيصل وتتوسطه تطالع على يمينك... حضور للمكان واستحضار لذاكرته لتعيدنا إلى سنين مضت تزيد ربما على نصف قرن... إنها الجمعية التعاونية المتعددة الأغراض الأولى تأسيسا على مستوى المملكة... هذا العلم والمعلم من الأشياء التي يتباهى بها أبناء القريات الذين عاشروها مع بواكير التنمية في بلادنا... إنها قصة نجاح متميزة ومبادرة من صاحب فكر... قصة ريادة وتطويع للصعب وحضور مستنير لمؤسسها عليه رحمة الله.

** قد كانت منجزا يشار له ببنان... تضافرت لأجل إنجاحه جهود وتعانقت همم حتى أينع الغرس وطاب جنيه... وفي موقع آخر تستذكر المكان والصورة حين كانت أول مدرسة ابتدائية للبنات على مستوى المملكة تفتح أبوابها لتنهل بناتنا وأخواتنا من المعرفة ولتسبق القريات كل مدن المملكة في ريادتها وتقدمها.. وحين تصل الحي الأوسط (جنوب الجامع الكبير) وترى التخطيط المتحضر المبكر والتناسق في الشوارع قبل سنين عديدة تستحضر تأسيس بلدية القريات الذي كان العام 1373هـ يشكل منعطفا مهما ومحطة متقدمة في تاريخ نشوئها. تستذكر صاحب المبادرات والإبداعات التي وضعت القريات على خارطة الحضور الأميز وتدعو له بالرحمة والمغفرة. انه عبدالله بن عبدالعزيز السديري عليه رحمة الله. ومعالي والده الأمير عبدالعزيز السديري غفر الله له والذي سبق عصره فكرا واستنارة.

** منذ تسلمه منصبه مفتشا للحدود الشمالية الغربية وأميرا لمنطقة القريات في منتصف السبعينيات الهجرية. تبدّت في شخص معاليه الروح المتوثبة والطموح غير المتوجس وبدت النجابة تتجلى في فكره وتفكيره... في أسلوب عمله ونهجه.

** كانت نظرته بعيدة وأفقه واسعا أيضاً. هاجسه ان يترجم ما اكتسبه في اغترابه ورحلته التعليمية واطلاعه على تجارب الآخرين ممن لهم باع طويل وتجربة ثريّة. رغبته أن يضع له بصمة تحدث نقلة في فكر مجتمعه الذي عاشه صغيرا وعايشه صبيا يافعا وتفتحت مداركه على ما يحيط به فكان الناس أنقياء يغلب عليهم طابع الاستجابة الواعية والوعاء الذي لا يتحسس من أي شيء.. وتعايش مع هؤلاء الناس فوجدانهم من معدن ثمين يتقبل الفكرة والرأي. سخي في عطائه اريحي فيما يقدمه وقد كان ذلك أكبر محفز له...

** حين اختصر مسافات زمنية فلأنه يملك صفات الربان الماهر فاستطاع تطويع الصعب وصهر غير القابل للانصهار.

** قد استطاع استثماركل المعطيات واستغلال ما هو ممكن في زمنه ليجعل من القريات حاضنة مثلى حيث تجلت ابداعاته وخطّ بقلمه رسما لا تسطو عليه عوامل الزمن ولا تتلاشى خطوطه بتقادم الأيام.

** نحن أبناء القريات نحتفظ بما أعطاه عبدالله السديري من حب للقريات مثل حبه لوالدته ونثمن له ما غرس في بيدر القريات الخصب... نثمن له مواقف عديدة خدم بها القريات وعلى امتداد السنين... أحب القريات أرضا وإنسانا وهم بحبهم وتقديرهم و(غلاهم) وما يكنونه له ربما يفوق حد الوصف والاعتقاد.. من حضر وبدو...

** حين التقيت معاليه- رحمه الله- في مكتبه بالسفارة السعودية في عمان بالأردن الشقيق العام 1419هـ إبان زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقد كان حينها وليا للعهد.... سألني معاليه عن أشياء كثيرة بالقريات وقبل الأشياء كان السؤال الأكثر حرارة هو عن الأشخاص (فلان وفلان وفلان) لم ينس احدا، قد كانوا حاضرين في ذاكرته... وعرج في حديثه على أشياء كثيرة جدا وكأنه لم يغادر القريات... قد كانت هي حاضرة معه لم تغادره...

** رجل بل هذه القامة المتفردة عملا وعطاء ومنجزا أين هو منا؟؟؟

** فقيد القريات بل ابنها رحل عن الدنيا... تركنا وإن كان حاضرا في الوجدان والضمير وأعماله باقية حاضرة... قد أوجد لنا أشياء وأشياء... أليس من حقه علينا بعد مماته ان نذكره... أن تخلد القريات اسمه واسم والده الراحل عبدالعزيز السديري وأشقائه سلطان ونايف عليهم رحمة الله.

** قد كان هؤلاء أمراء لمنطقتنا زهاء (60) عاما وأوجدوا فيها ولها ماكان الأميز بين مناطق المملكة الأخرى واعطوا حين الإمكانات متواضعة فلماذا لا نجود حين فاض القدر والقدرة... أليس من حقهم علينا ان تنقش لهم على سجلات القريات أشياء جميلة تبقيهم حاضرين معنا... مثل شارع أو مدرسة أو مركز ثقافي أو ميدان.. أو حديقة... رموز يجب الا نغفل عنهم... فالقريات بنوها طوبة طوبة.. أليس من حق الباني ان يكون له حصة فيما شيّد وقدم..

** ((من يغيبهم الموت عن حاضرنا وأرضنا.. يحضرون داخلنا ويعيشون في ذاكرتنا)).

كلمات تختصر كل شيء... تستجمع المزيد من الصور واللوحات في صورة واحدة مؤثرة بليغة. وبإيجازه المغني يطوي لك الصحائف والسجلات والسطور ويضعك في مواجهة مع الواقع، وقد فعل أخي الدكتور ابراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية بأن وضع قلمه على أول سطر ليجمع لك كل المحيطات. ويستخلص لك من كل زهرة ووردة رحيقها وعصارتها. وهاهو في مقولته تلك أوجز واختصر الحكاية بسطر واحد....

وكأنه يؤكد حقيقة لا يُختلف على صحتها ويقر بأن الموت لن يمسح من الوجود والذاكرة من كانوا حاضرين روحا وجسدا وعطاء.

مقالات أخرى للكاتب