Tuesday 15/07/2014 Issue 15265 الثلاثاء 17 رمضان 1435 العدد
15-07-2014

قضية فلسطين ذريعة من لا ذريعة له

جاء اليهود إلى أرض فلسطين وأقاموا دولة إسرائيل بمبررات دينية تتكئ على أن هذا الحيز الجغرافي المحدد هو (أرض الميعاد).. ويرد الفلسطينيون مزاعمهم بأنهم أهل البلاد الأصليين، سواء كانوا مسلمين، أو مسيحيين أو يهوداً، أو حتى غير دينيين، وهم فيها منذ قرون قبل أن يختارها اليهود (في القرن العشرين) كوطن قومي لهم، ويطردون أهلها غير اليهود منها بقوة السلاح، وبالتحالف مع من يملكون السلاح الأقوى.

لا خلاف أن منطق الفلسطينيين أقوى، وينطلق من النظرية المعاصرة التي تقوم عليها الأوطان، ومؤداها أن أساس التعايش بين مواطني البلد الواحد في عالم اليوم يقوم على أساس أن (الدين لله والوطن للجميع)، فكيف ينقلب هذا المنطق، ليصبح هنا أن إسرائيل لليهود فقط؟

السبب أن هذه القضية (العادلة)، تولاها محامون (انتهازيون) فحولوها من كونها قضية حقوق تتماهى مع فلسفة نظرية الحقوق، إلى قضية (نزاع سياسي) محض، وفي السياسة من يملك القوة هو من يملك عناصر النصر.. وهذا ما تريده أولاً وأخيراً إسرائيل، خذ مثلاً الشعار الغبي الذي يقول: (ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة)، ولا أدري من أول من قال بذلك، ووضعه شعاراً للعرب؛ لأن (إلا) الحصرية هنا هي أساس المشكلة، والعائق الأول لحل مشكلة فلسطين وعندما تتساءل: الهند كانت بلداً محتلاً من بريطانيا، وأعادها «غاندي» بالسلام وليس بالقوة.. وجنوب أفريقيا كان البيض العنصريون يحتلونها، فقاد «مانديلا» العظيم النضال السلمي، متكئاً على فلسفة الحقوق وليس القوة، وفي النهاية، تحقق استقلالها، وحكمَها أهلها.

تطرح هذه الأسئلة وتستدل بهذه الأدلة المعاصرة، وتنظر إجابة، فيقابلك (الغوغاء) بسيل من التخوين، والتهم، والسب والشتم، دون أن تُقابل بإجابات أو ردود مقنعة، ثم تغض الطرف عن شتائمهم وتسأل: طيب، هل تملكون القوة التي تملكها إسرائيل؟.. فلا تسمع إلا جعجعات وعبارات عنترية، لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ومنها: نحن نملك الإرادة والإصرار والصمود والتحدي والأهم (الاستشهاد)، ثم تلتفت لترى النتائج، فتجد أن إسرائيل ماضية في سياساتها التوسعية، وزرع ما تبقى من أرض فلسطين بالمستعمرات، وهم لا يملكون أمام هذا التوسع إلا الاعتراض، والإدانة، ومعها العويل والصياح والشكوى وخطب مجلجلة، لا تشبع الجائع ولا تروي العطشان ولا تؤوي المشرد.

القضية الفلسطينية - يا سادة يا كرام - أصبحت ذريعة كل أفّاك، وسلماً لكل متسلق، ووسيلة للصوص والنصابين أيضاً، فكل من عدمَ الأسباب والذرائع من السياسيين، دول كانوا أو حركات، فذريعة (تحرير الأرض المغتصبة، من البحر إلى النهر)، جاهزة تبحث عن مستثمر.

صدام حسين حينما اعتدى على الكويت واحتلها، رفع شعار (تحرير فلسطين يمر بالكويت)، فامتلأت شوارع غزة بالمتظاهرين يرددون: (بالكيماوي يا صدام من الكويت إلى الدمام).. كما كان البعثي الآخر حافظ الأسد وبعده ابنه بشار يتحججان بتحرير الوطن السليب ومفاومة المحتل.. كذلك حسن نصر الله، كانت، ذريعته هي ذاتها (المقاومة)، وطرد المحتل، وحينما ثار السوريون على رئيسهم، التف (المقاوم المعمم) ليوجه مقاتليه إلى سوريا لا إلى إسرائيل.. وها هي (حماس) الفصيل الإخواني المعروف، تحاول أن تضرب العصفور ذاته بأكثر من حجر، ونستخدم المبرر نفسه لتخرج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه بعد سقوط الإخوان في مصر، فلجأت إلى استفزاز إسرائيل بخطف ثلاثة من المستوطنين وقتلتهم في شهر رمضان، فجن جنون الإسرائيليين، وصبوا جام غضبهم على (أهل غزة) فانطلقت صواريخ المتأسلمين لتصب على النار المشتعلة مزيداً من الزيت، والنتيجة ألف إنسان بين قتيل وجريح، ودمار هائل شمل منازل أهل غزة تقريباً، أما صواريخ المتأسلمين السبعمائة - كما يدعون - فلم تجرح ظفر إسرائيلي واحد، اللهم إلا أنها أدخلتهم إلى الملاجئ ليس إلا!.. غير أن الهدف (الحقيقي) من العملية هو أن يعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الساحة وإلى التعاطف الشعبي من جديد، ويحرجوا مصر ومن وقف ضد جماعة الإخوان وساند انتفاضة المصريين، ويعوّضون ما خسروه في الربيع العربي.. وكذلك يعيدون العلاقات الحماسية الإيرانية إلى سابق عهدها، بعد أن صرف قصف إسرائيل لغزة الأنظار عنها، وعن جرائم حزب الله في سوريا، فخلطت بتلك العملية الأوراق، وقلبت الطاولة، وحققت أكثر من هدف، والثمن مزيداً من الدماء الفلسطينية!

كل ما أريد أن أقوله هنا إن عملية حماس الأخيرة، وعمليات حزب الله السابقة في لبنان تجاه إسرائيل، وغزو صدام للكويت، كانت قضية فلسطين في كل تلك الأحداث وسيلة تُستغل لتحقيق أهداف سياسية لا علاقة لها بفلسطين، فجعلت من هذه القضية في النتيجة أكبر (ذريعة) عرفها العرب في تاريخهم المعاصر لكل من عدمَ الذرائع من الأفاكين والنصّابين والمتأسلمين.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب