Wednesday 16/07/2014 Issue 15266 الاربعاء 18 رمضان 1435 العدد
16-07-2014

الملاءة المالية للأفراد مسئولية من؟

كثيرا ما يتردد مصطلح الملاءة المالية بوسائل الإعلام ، وعادة ما يكون مرادفا عند الحديث عن قوة الجهات الاعتبارية المالية كالبنوك أو الشركات أو حتى الدول ، ولعل هذا المصطلح المالي بات الأكثر ترديدا خلال الست سنوات الماضية بعد نشوب الأزمة المالية العالمية، والملاءة المالية كتعريف مختصر هي القدرة على سداد الالتزامات عند استحقاقها ، وإذا كانت هذه المصطلحات الفنية اختصت بها المؤسسات المالية اكثر من غيرها إلا أنه يمكن إسقاطها على الأفراد أيضا.

فمن المعروف أن المؤسسات المالية كالبنوك وشركات التأمين تشرف عليها جهات رقابية رسمية كالبنوك المركزية أو هيئات التأمين، وتضع معايير صارمة لضبط أدائها ومنعها من التعثر برفع ملاءتها المالية وكذلك تقوم الحكومات برفع ملاءتها المالية عبر أجهزتها الاقتصادية، إلا أن الملاءة المالية للفرد تبقى مسئوليته بكل تأكيد ولا يمكن وضعه تحت إشراف جهة لأنها مسألة مستحيلة، وتبقى لها خصوصية عند الفرد وحرية إنفاقه أو ادخاره، ولكن هل يعني ذلك أنه لا يمكن رفع الملاءة المالية للفرد عبر برامج اقتصادية تعنى وتهتم بتقوية الأصول التي يمتلكها ورفع دخله حتى يكون قادرا على الوفاء بالتزاماته؟ الجواب بالتأكيد نعم، وهو ما يندرج تحت مفهوم التنمية المستدامة التي تنتهي برفع مستوى المعيشة للأفراد، وذلك من خلال تحسين دخلهم وتملكهم للأصول وعلى راسها المسكن الخاص به بخلاف سياسة مالية ونقدية عامة تصب برفع دوره الإنتاجي والادخاري والاستثماري مما سينعكس على ملاءته المالية بنهاية المطاف إيجابا. ولو أخذنا بعين الاعتبار نسبة القروض الحالية للافراد والتي تجاوت 330 مليار ريال كقروض استهلاكية، فانها تعد مرتفعة جدا لأنها بنهاية المطاف لم تنفق بشراء منتج محلي كي يدور راس المال مجددا بالاقتصاد، بل غالبا أنفقت هذه القروض على سلع مستوردة أو نفقات ضرورية تحتاجها الأسر لا حصر لها، ولكن تبقى غير مستفاد منها كعائد، بل بعض هذه القروض أخذ لسداد قرض آخر ولكن هذا الحجم من القروض والذي يعادل 12 بالمئة تقريبا من الناتج المحلي ويعادل تقريبا ما يخصص لبند الرواتب بالموازنة السنوية للدولة ليس هو كل حجم الإقراض للأفراد، بل إن هذا الرقم هو ما قام القطاع المصرفي بإقراضه للأفراد فهناك قروض أخرى من شركات التقسيط، أو حتى من أفراد يقومون بإقراض أفراد من خلال بيعهم سلع، وكذلك هناك إقراض الصناديق وأذرعة التمويل الكومية مما يوصل أرقام إقراض الأفراد إلى قرابة 900 مليار ريال، وإذا استثنينا الجهات الحكومية التي تقرض دون تحميل المواطن فوائد على القرض، وعادة تكون القروض لأسباب تدعم المواطن كشراء مسكن أو بناءه وكذلك أعمال الترميم وحتى فتح مشروعات صغيرة لكن تبقى أحجامها أقل بكثير من القروض التي خصصت للإنفاق الاستهلاكي والتي تقدر بأكثر من 600 مليار ريال ، بل لا يمكن حصر إلا ما تم أخذه من المؤسسات المالية المرخصة والتي تشرف عليها مؤسسة النقد بينما تبقى وسائل الأقراض الأخرى غير معروفة بدقة إلى الآن.

وإذا ما أخذنا العديد من الاعتبارات التي تخص ملاءة الفرد، سنجد أن متوسط الدخل للموظفين مابين القطاعين العام والخاص يقع عند مستوى 6500 ريال كدخل شهري تقريبا، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة كبيرة من الموظفين عليهم قروض تستقطع من دخلهم 33 بالمئة أيضا فإن الكفاءة والملاءة المالية للفرد تصبح ضعيفة جدا، خصوصا أن نسبة تملك السكن لا تتعدى 40 بالمئة وفق أغلب الإحصاءات التي صدرت خلال الأعوام الثلاث الماضية، وإذا كان الإيجار للمنزل يستقطع حاليا قرابة 40 بالمئة لمن تقع مداخليهم دون 8000 ريال وهم يشكلون حوالي 60 بالمئة من الأسر فإن إضافة سداد القروض ستعني استقطاع حوالي 70 بالمئة من الدخل على بندين، بينما تبقى حوالي 30 بالمئة لباقي المصاريف وتكاليف الحياة الأساسية، مما يعني أن الأولوية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار هي معالجة قوة الفرد المالية عبر تملكه لأصل وهو المسكن وفق شروط ميسرة لا يتحمل فيها أكثر من 20 بالمئة من دخله، مع أهمية رفع الدخل وفق خطة اقتصادية مباشرة بهذا الاتجاه تأخذ بعين الاعتبار أن تراجع القوة الشرائية للريال عبر أكثر من 25 عاما فاقت كثيرا الزيادات التي طالت رواتب القطاع العام كونه المشغل الأكبر للمواطنين، وهذا بالتاكيد يتطلب هيكلة اقتصادية أدق وأعمق من ناحية تعزيز قوة الفرد ماليا وأن تكون متركزة على أصحاب الدخل المتدني في سلم الرواتب الحكومي حتى يتعزز دورهم الاقتصادي الفاعل في التنمية الاقتصادية.

إن مسئولية رفع الملاءة المالية للمواطن هي حكومية، وإن كانت في جزء كبير منها غير مباشرة، فإذا وفرت له المسكن وزادت في دخله من خلال طرق عديدة معروفة فإن الجزء الأكبر بالتأكيد يبقى عليه في ضبط إنفاقه وتوجيهه نحو ما يقوي تملكه للأصول وحسابات قدر ته المستقبلية على الإيفاء بالتزاماته جيدا، إلان هذه التركيبة تتطلب مجهودا عاما من الأجهزة الحكومية المعنية بتوفير كافة السبل لتقوية المركز المالي للفرد وترك الباقي عليه كمسئولية مع تعزيز دور القطاع المالي الخاص بأن يساهم بطرح منتجات تدعم الاستثمار للفرد لرفع مستوى معيشته وثرواته.

مقالات أخرى للكاتب