Sunday 20/07/2014 Issue 15270 الأحد 22 رمضان 1435 العدد
20-07-2014

الأقصى ليس في شرورة

في العشر الأوائل من رمضان المبارك تتقدم مجموعة من الشباب المقاتلين الملثمين رافعين رايات سوداء كتب عليها كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) وهم يكبرون بأعلى أصواتهم ويقتحمون مجموعة من المباني الأمنية، ويشتبكون مع من فيها فيقتلون البعض ويجرحون البعض ثم يقعون هم أنفسهم بين قتيل وجريح. لو أُخذتْ صورة لهذا المشهد بتفاصيله فإنها قد تصلح لفيلم سينمائي متخيل عن تحرير المسجد الأقصى من اليهود الغاصبين مع تغيير يسير في خلفيات التصوير ومؤثراته.

لكن المفاجأة الكبرى الصاعقة أن تعلم أن المراكز المستهدفة هي مراكز سعودية في قلب صحراء الربع الخالي، وأن هذه المراكز تبعد عن المسجد الأقصى حوالي ثلاثة آلاف كم، وتزداد المفاجأة حين تعلم أن الجنود المستهدفين هم جنود مسلمون صائمون مرابطون في حر هذا الصيف اللاهب في هذه المناطق الحدودية النائية.

ثم يزداد عجبك وذهولك حين تعلم أن أغلب هؤلاء المهاجمين هم من أبناء هذا الوطن، وأنهم يرجون بهذا الهجوم الآثم البغيض المنتهك لحرمة الشهر والأنفس المعصومة المؤمنة الصائمة المرابطة- أنهم يرجون به الجنة ومعانقة الحور العين!!!!

والعجيب أن هذا الهجوم قد تزامن مع إعلانٍ لـ«الخلافة الإسلامية» من قبل عصابات خارجية مارقة ترفع الرايات السوداء نفسها التي رفعها المهاجمون في شرورة، فهل الخلافة الإسلامية المعلنة في بلاد الشام والعراق أنهت كل التزاماتها السياسية والعسكرية هناك وقضت على كل الفيالق والجيوش الطائفية التي تقتل الأطفال والنساء بالكيماوي وبراميل الموت وبصواريخ سكود، وتهدم المساجد وتسحق القرى والمدن منذ عدة سنوات حتى تجاوز القتلى في العراق المليون وفي الشام مائتي ألف؟ أقول هل استتب الأمن لهذه «الخلافة» المدعاة من هذا الخليفة «المسردب» وما بقي إلا «شرورة» و «الوديعة» ليبسط سلطانه عليهما؟؟!!

إني والله لأعجب أشد العجب: كيف تبيح لهم أنفسهم أن يقتلوا هؤلاء الصائمين المجاهدين المرابطين في نهار رمضان؟ كما أتعجب بشدة: كيف أصبحت بلاد الحرمين ورافعة لواء الدين في هذه العصور المتأخرة في العالم كله هدفاً مشروعاً لهم؟ سبحان الله!

هذه البلاد العظيمة ورغم كل ما يمكن أن تنتقد به من أخطاء وملاحظات كبرت أو صغرت إلا أنها تبقى مأرز الإسلام وقبلة المسلمين، وما ألمت بالمسلمين نازلة ولا أحاط بهم خطب إلا توجهوا لهذه البلاد وقادتها من أيام الملك عبد العزيز رحمه الله إلى يومنا هذا، تأملوا من فضلكم تلك الوقفات المشرفة مع شعوب إسلامية كثيرة ظلمت وقتلت وهجرت فوجدت في المملكة الحضن الدافئ والملاذ الآمن : شعوب آسيا الوسطى (تركستان وبخارى وغيرها) ثم مسلمو بورما ثم المسلمون الأفغان في الثمانينيات ثم مسلمو البوسنة والبلقان في التسعينات ثم الشيشان وغيرهم، فضلاً عن المساندة الدائمة لإخواننا الفلسطينيين، ثم الوقفة العظيمة مع الشعب السوري المقهور منذ ما يزيد على ثلاث سنوات.

هل يعلم هؤلاء المهاجمون لجنودنا البواسل في شرورة أنهم يهاجمون البلد الوحيد الذي يعلن بكل قوة وبكل فخر أن دستوره هو القرآن الكريم والسنة النبوية. بينما عجزت دول كثيرة حتى التي حكمتها «أحزاب إسلامية» عن إثبات إشارات واهنة لاستمداد مواد الدستور من الشريعة الإسلامية.

وهل يعلمون أنه لا يوجد على الكرة الأرضية جيش يعتني بالشؤون الدينية كالجيش السعودي، فلديه أجهزة مختصة بالشؤون الدينية في كل أفرع القوات المسلحة وأجهزة الأمن وسلاح الحدود، وفيها مجموعات من المشايخ والدعاة والمرشدين الدينيين وتقام فيها المحاضرات والندوات والمسابقات المستمرة لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية. فهل انتهت القاعدة وداعش من الجيوش الماركسية والعلمانية المحاربة للإسلام لتتفرغ لحرب هذا الجيش المؤمن المصلي المتوضئ؟

أسئلة هائلة ضخمة تقف أمام كل متأمل لهذه الأحداث كيف استطاع أهل الشر أن يغسلوا عقول أبنائنا ويوهموهم بأن الطريق إلى الأقصى وإقامة الخلافة الإسلامية يمر من شرورة؟. إننا جميعاً في المملكة العربية السعودية مطالبون بوقفة صادقة مع ذواتنا لدراسة ما يحيط بنا بكل هدوء وبكل تجرد وبكل وطنية وإخلاص لننقذ بلادنا وأبناءنا من هذا المستقبل المتلبد بالغيوم!

- الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

مقالات أخرى للكاتب