Monday 21/07/2014 Issue 15271 الأثنين 23 رمضان 1435 العدد
21-07-2014

الجاهلية الطائفية

يصعب على المرء أن يكتب في هذه الزمن عن الأوضاع العربيه، فالإحباط واليأس من المستقبل يلقي بتأثيراته السلبية على العقول، بعد أن أنتصرت الكراهية على التسامح، وبعد أن إنحاز الناس للجاهلية الطائفية عن الدين القويم، وبعد أن أصبح دم الإنسان العربي والمسلم رخيصاً إلى درجة أن الجثث تنتشر في الميادين العامة، بينما يصر قادة التشرذم على استمرار الحرب بين أهل الوطن الواحد.

تختزل بعض المشاهد المصورة الواقع المرير، وتفضح إنهيار الأخلاق عندما يحكم التطرف الواقع، ويأتي في المقدمة المشهد الذي ينحر فيه متطرف طائفي آخر وهو يكبر، بينما يرفع المنحور سبابته لله قبل أن يفارق الحياة، وفي مشهد آخر يكبر أحدهم وهو واقف على جثث الموتى على حافة الطريق، وفي مشهد آخر يظهر أنصار داعش يحرقون إحدى الكنائس في الموصل، ويهدمون المواقع الأثرية.

ذلك لم يأت بدون مقدمات، فوسائل الاتصال الاجتماعي أيضاً كانت زاخرة خلال السنوات الماضية بدعاوي متطرفين من السنة والشيعه للاقتتال وإلغاء الآخر، وقد وصل ذلك إلى تأسيس قنوات فضائية طائفية تدعو للفتنة الطائفية، ووصل الحال إلى أن ينساق بعض المعتدلين إلى المشاركة في المقصلة الطائفية.

على سبيل المثال، أدان الزعيم الشيعي مقتدى الصدر سابقاً سياسات المالكي الطائفية، لكنه عاد عنها عندما طالب منذ أيام جميع مقاتلي «سرايا السلام» التابعة له إلى التوجه فوراً إلى جبهات القتال، وأن يكونوا تحت راية الدولة للدفاع عن العراق، وذلك لإكمال شروط المحرقة العراقية القادمة بين السنة والشيعة في العراق.

في نفس اليوم عقد اجتماع في بغداد الجمعة بين رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي وأمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني، ولا يخفى على الجميع دور إيران في إذكاء الطائفية في الأوطان العربية، وعن رغبتها في تصدير الفتنة الطائفية إلى البلاد العربية المجاورة.

في موقف يدعو للعجب، اتهم أحد أهم قادة التطرف الديني في المنطقة أبوقتادة الفلسطيني دولة داعش بارتكاب الجرائم، وهاجم فتاوي مشايخها في سوريا والعراق، بينما لم يخلُ خطابه من نبرة طائفية كريهة، تدعو إلى الفتنة الطائفية، وإلى قتل المخالفين الأنجاس، وهو ما يعني أن نعيش أحد أكثر الأيام دموية في تاريخ العرب، وأكثر فتنة وتطرفاًِ في تاريخهم الحديث.

في مشهد آخر خاطب بشار الأسد شعبه الذي يعيش في الملاجئ، قبل أيام معدودة، وكأنه يعيش في عالم غير هذه الواقع قائلاً: إن الشعب السوري هو من اختار دستوره وبرلمانه ورئيسه بكل حرية، وبدون مشاركة أي غريب، وأضاف في حفل أدائه اليمين لولاية رئاسية جديدة: إن الديمقراطية من صنع الشعب السوري.

وإن الشعب السوري لم يسمح للفتنة أو التقسيم أن تضربه، فالشعب السوري شعب حر ويد واحدة، والله مع الحق والحق مع الشعب.. بينما في جانب آخر تشارك قوى طائفية من إيران والعراق ولبنان في حربه الدموية ضد شعبه، وقد عجبت عن أي ديموقراطية يتحدث، وعن أي شعب يخاطب.

في الطريق إلى الكارثة الطائفية، علينا أن نتذكر أننا وصلنا إلى هذه المرحلة عندما أصبح الملالي والمشائخ المتطرفين هم نجوم الإعلام والمجتمع، وقبل ذلك عندما أصبح الفقيه يتولى منصب السلطة العليا، كما لا يخفى على المشاهد مساهمة بعض القنوات الفضائية في إذكاء الفتنة الطائفية، وذلك من خلال منح مساحات كبيره لمشائخ عُرف عنهم تطرفهم الطائفي.

وفي ظل ما يحدث من دموية طاغية بسبب سيادة العقل الطائفي، نسمع أحياناً العجب من بعض هؤلاء الدعاة في بعض برامجهم الوعظية، وذلك عندما يرددون أن الدين لا يجب أن ينفصل عن السياسة، وأن الإرث الفقهي الديني حافل بحقوق الإنسان والتعايش واحترام الآخر، وأن الحداثة ومصطلحاتها الحديثة أدوات غربية غير صالحة للتطبيق في عالم المسلمين، وأن العروبة دعوة جاهلية، وأن الوطنية وثنية وشرك بالله، عندها يتوقف الكلام ويصبح المنفى الفكري خياراً عقلياً إلى أن تصحو هذه الأمة من جاهليتها الطائفية.

مقالات أخرى للكاتب