Friday 25/07/2014 Issue 15275 الجمعة 27 رمضان 1435 العدد

الساحة التشكيلية الخليجية والعربية تودع الفنان عبد الجبار اليحيا

الفن التشكيلي السعودي يخسر ثالث أضلاع الريادة

الجزيرة - متابعة - محمد المنيف:

انتقل إلى رحمة الله الفنان التشكيلي عبد الجبار اليحيا يوم الجمعة الماضية الكبير قدراً واحتراماً والكبير إبداعاً وعطاء حتى وهو في أشد ظروف مرضه، وبوفاته تودع الساحة التشكيلية الخليجية والعربية فناناً سعودياً يشكل الضلع الثالث لريادة البدايات والتأسيس، بعد رحيل الفنان محمد لسليم والفنان عبد الحليم رضوي، حيث كان الفنان عبد الجبار يشكل اسماً هاماً في الحركة التشكيلية السعودية على وجه الخصوص وبما يحظى به من متابعة على المستوى الخليجي والعربي نظراً لتميزخطه الفني وقدراته المتفردة عوداً إلى مراحل نشأته وما منحته من ثقافة عالية في مجال الفن والأدب.

رحلة العمر والفن

لا شك سرد المعلومة لمثل هذا الرمز الإبداعي لم تعد غائبة أو مغيبة بقدر ما يعتبر الفنان عبد الجبار اليحيا مصدر معلومة ونبع يرتوي منه كل الاجيال التي تعاملت معه واستفادت منه ينهلون من تجاربه المختلفة فأصبح مرجعا للباحثين والباحثات لنيل درجة الماجستير والدكتوراه في ما يتعلق بتاريخ الفن التشكيلي المحلي والعالمي امتلات به مختلف المواقع التشكيلية والأدبية ومع ذلك يمكن الاشارة إلى بعض من مسيرته، فولادة الفنان عبد الجبار عبد الكريم اليحيى كانت في مدينة الزبير بالعراق. ولدت معه موهبته التي كان يمارسها كامثلة من الأطفال على جدران المنزل بالأدوات المتاحة من فحم أو قطع الجص وكان لابن خالته علي الخرجي رسام الكريكاتير دور في ترغيبه في البحث والتجريب لكون الفنان علي أكبر منه سناً وأكثر خبرة في جانب الرسم وإتقانه وصولاً إلى ما كان يقلده من رسم في لكتب التي تقع تحت يده خصوصاً كتب العلوم المليئة بصور الحيوانات والطيور، أما المرحلة الأكثر ملامسة لقدراته واكتشافها فكانت في المعسكر البريطاني للجنود الألمان والإيطاليين أثناء الحرب العالمية الثانية بالقرب من الزبير والتي كان الرسامون منهم يتوافدون على القرية لرسم المآذن والوجوه العربية والمباني البيئية، فكان دائم الالتزام معهم، يشاهد ويراقب، كان لإهدائه أحدهم رسم مئذنة رسمت بالألوان المائية فكانت احد مفاتيح معرفة الخامات الجديدة.

المرحلة التي يراها الفنان الراحل عبد الجبار انها كانت غير محسوبة في تجاربه التشكيلية هي فترة انتقاله من الزبير إلى البحرين وعدم قدرته على استكمال الدراسة بدون مصدر رزق مما دفعه للعودة إلى المملكة للعمل إلى ان ابتعث إلى أميركا عام 1952 لدراسة الإلكترونيات، هناك كان هناك وقت للعودة للرسم نتيجة الاجواء المحيطة والمشجعة كانت اول بوادر مكاسبها المشاركة في معرض جماعي أقيم في متحف فورست بارك بولاية ميسوري الأميريكية.

تنوع في العطاء

كانت مدينة جدة أول محطاته بعد عودته من دراسته في امريكا، حيث بدأ في ممارسة ابداعه منها تصميم شعارات لسلاح الجو، مع ما يمكن أن يطلق عليه مغامرة بالكتابة في مجال يجهله المجتمع عبر مقالاته التشكيلية في صحيفة المدينة في الستينيات الميلادية تبين العلاقة بين الفنون والمجتمع منها المترجم ومنها ما يتم من أنشطة محدودة حول الفن التشكيلي المحلي. كان لانتقاله إلى الرياض ما يمكن ان يعد اول بوابة للعمل الحقيقي في مجال الفن الشكيلي وذلك عام 69م عندما اقتنى احد الشخصيات من الجنسية الألمانية أحد أعمال الفنان عبد الجبار ما دفعه للتحرك على مستوى الجمهور، فبدأ بإقامة أول معرض له في مقر البعثة الأمريكية في الرياض، ثم تلاه معرض آخر عام 1973 في مقر الجمعية السعودية للثقافة والفنون في وقت إدارة الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن لها.

غربة الفن والثقافة

من الأمور الصعبة التي واجهها الراحل عبد الجبار وتحدث عنها كثيراً في حواراته أو لقاءاته الخاصة جانب افتقار الساحة التشكيلية للفنان المثقف، هذه الرؤية واجهته بعد عودته من أمريكا في الستينيات الميلادية فهو ابن الزبير البيئة القريبة من مجتمع متقدم في الفن والثقافة عاش فيها إلى الخامسة عشرة من عمره، ثم جاء للبحرين التي لا تقل عن السابق ليحط في مجتمعه السعودي الذي لا زال يتلمس ويتعرف على الثقافة في وقت يبحث فيه المجتمع عن لقمة عيشة، كان بهذا الواقع ما يشبه الغريب في مجتمع لا يفهم ما يحمله من نظرة إبداعية أو أدبية.

الجانب الإنساني والمجتمعي

يعد الفنان عبد الجبار من أكثر الفنانين خصوصاً لمن هم في مثل سنه وخبراته حضوراً وتقديراً واهتماماً بالمناسبات التشكيلية خصوصاً المواهب الشابة التي أثرى إصدارات الكثير منهم بكتابة مقدمتها وطرح رأيه في الأعمال والتوجيه.

وقد اكتشفت في الفنان عبد الجبار اليحيا- رحمه الله- خلال زياراتي المتعددة له حسب ظروفه العملية أو الصحية انه لا يكل ولا يمل من الحديث في مجال الفن لتشكيلي والسعي لتعديل مساره مع إبدائه لتذمره من الكثير من الأخطاء والتراجع، كما أن لديه -يرحمه الله- القدرة على إعادة التواصل وحل المواقف بين الاطراف امختلفة أو التي يحدث بينها تباعد أو تفرق، ولا أنسى هنا دوره الكبير في إعادة المياه بيني وبين اطراف أسيء الفهم بيننا في بعض الامور، مع ما كان يقوم به من اتصالات للسؤال والاستفسار في حال غيابنا عن زيارته.

ختام رحلة المعاناة التشكيلية

رغم معاناته من المرض الا أنه لا يتوقف عن العطاء لكن ليس بالمستوى الذي كان يحققه في فتراته السابقة التي أقام فيها عشرة معارض فردية وشارك في العديد من المعارض الدولية تجاوزت الخمسين، فختتمت هذه الجولة والتاريخ التشكيلي بمعرض في غاليري حوالي عام 2009 أطلق عليه «بناء وانتماء» يعد معرضاً استعادياً ضم معظم أعماله.

بين الأدب والتشكيل

الفنان الراحل يتميز بين أقرانه رواد البدايات بجمعه بين الفن التشكيلي والأدب فهو مقرب جداً وقد يكون محسوباً على الساحة الادبية نتيجة ثقافته العالية وقراءاته وترجماته ومقالاته،كما انه رمز في الفن التشكيلي ويعد رائداً لبداياته، بهذا نجد الفنان الراحل يجمع في ابداعه مزيج بين الادب والتشكيل فيرسم الكلمة على الورق تشكيلاً ويكتب الكلمة على اللوحة ادباً.

رحم الله ابا مازن الذي كرمني بكلمة اعتبرها وساماً من الأوسمة التي تزين تجربتي الصحفية التشكيلية.