Tuesday 05/08/2014 Issue 15286 الثلاثاء 09 شوال 1435 العدد
05-08-2014

من وحي كلمة الملك

إيماناً بالواجب وشعوراً بالمسؤولية وقياماً بمهمة الإبلاغ العالمي، ومن ثم الإشهاد البشري، وحتى تقوم الحجة، وتظهر المحجة على الأمتين العربية والإسلامية، بل والمجتمع الدولي، كانت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ظهر يوم الجمعة الماضي، التي أحسب أنها نابعة من قلب محب وضمير حي ورجل إنسان وقائد فذ، يرى ويسمع ويعايش ما يدور في ساحتنا العربية والإسلامية لحظة بلحظة.

والمفترض والمأمول والواجب ألا يقف أثر هذا الخطاب عند حد الاحتفاء والتبجيل والإطراء، بل لا بد أن تكون هذه الكلمات التاريخية معززة وباعثة ومحركة للهمم والعزائم ومقوية للإرادة والفاعلية لدى جميع شرائح المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية، خاصة ما نصت عليهم الكلمة «القادة والعلماء».

لقد تعددت مضامين هذا الخطاب، وإن كان في الأساس ركز - في نظري - على أمور خمس، هي بإيجاز:

* * *

* الفتنة شر

الفتنة أعظم ألوان الاختبار والبلاء الذي يقع على العبد، وأشدها فتنة المسيح الدجال. وقد يُفتتن الإنسان بالخير كما هو الحال بالشر. وغالباً ما يختلط على البعض زمن الفتن الحق بالباطل والباطل بالحق، فيقعون ضحايا التشويه والتدجيل والتضليل الذي يمارَس عليهم؛ لذا جاءت لفظة «فتنة». واستشهد عبد الله بن عبد العزيز - رعاه الله - في ثنايا مطلع كلمته هذه بقول الله تعالى {والفتنة أشد من القتل}، إشارة إلى أن لفظة الفتنة هنا تنصرف إلى النوع المذموم الذي يقترفه الإنسان للإيقاع بنفسه أو بغيره خلاف تلك الفتن التي تكون من الله لحكمة قد تخفى على المفتون.

* * *

* الإسلام بين المعيارية العالمية والسلوك الإرهابي

كثيرون يجدون أنفسهم في تجاذب وصراع حين يعقدون المقارنات بين ما يجدونه في القرآن الكريم وكتب السنة المطهرة وبين واقع المسلمين، خاصة من يعيشون في الغرب، ويسمعون عن الإسلام على أنه دين عالمي، يدعو للتسامح والسلام، ويرفض العنف والتطرف والإرهاب. فهم يرون في الواقع فئة من أبناء المسلمين خلاف ما يقرؤون وما يُقال لهم. والمعلوم أن الأفعال أقوى أثراً في بناء الأحكام العامة على الشعوب مما يقال أو يكتب. والصورة الذهنية ليست خاضعة للفرز ولا هي تحتكم للعقل الفردي بل الجمعي غالباً الذي يلتقط ما يطفو على السطح، ويتحدث عنه الإعلام بشكل شبه يومي دون أن يرهق الذهن بالتفاصيل والبحث عن الأدلة والمعززات؛ ولذلك فإن هذا النهج الدموي غير المنضبط بضوابط الشرع، الذي لم يُبنَ على أساس شرعي وسطي صحيح، ولم يستند إلى فَهم عميق للدليل المستشهد به، وإدراك للواقع المعاش الذي تنزل فيه الأحكام، يجني على الدعوة ويضر بالدعاة في جميع بلاد العالم، خاصة الغربي منه.

* * *

* وظيفة العلماء الأمنية

يظن البعض خطأ أن المسؤولية الأمنية تقع على عاتق رجال الأمن المرابطين على الثغور والحارسين للحدود والمتابعين للحركة الدائمة في طرق وشوارع وأحياء الوطن، وغالباً ما يفصل هذا الصنف من الناس بين ضروب الأمن المختلفة، ويغيب عن بالهم أو يُغيب الواحد منهم بإرادته أهمية الأمن العقدي والفكري، كما يهمش غيره الأمن الاقتصادي والنفسي والاجتماعي و... الذي من الواجب أن ينبري له ويتصدى القيام به علماء الأمة الربانيون العارفون للخير الفاضل بين الخيرين المتفاضلين، والمدركون لأخف الشرين عند تعارض الشرور، والعالمون بالمصالح العامة والخاصة والحكم حين يكون التعارض بينهما، وكذا المطلق والمقيد، والخاص والعام في أدلة الشرع وما إلى ذلك.

لقد كشفت الدراسات أن من أسباب ظاهرة الإرهاب الجهل بالدين، وعدم مجالسة كبار العلماء، وأخذ هذا الدين الذي قال عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنه «شديد فأوغلوا فيه برفق» من أنصاف العلماء والمتعالمين؛ لذا جاءت الإشارة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على دور العلماء في حماية المجتمعات، وحفظهم ببناء جسور التواصل مع الشباب، ونصحهم والأخذ بيدهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم وسلامة عقيدتهم وحماية مقدساتهم وأوطانهم وأهليهم.

* * *

* عمى المشاعر

إذ إن ما يجري في غزة على مرأى ومسمع من العالم لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه، ومع ذلك ما زال يُضرب إخواننا الفلسطينيون المدنيون، وكأن شيئاً لم يكن. هل بعد هذا عمى!!؟ ليس هذا فحسب، بل يُتحدث عن إرهاب دون آخر، مع أن إرهاب الدول أشد وأنكى، وإسرائيل الدولة الإرهابية بامتياز.. فأين القوانين العالمية الرادعة لهذا السلوك الخارق للقوانين الدولية والأعراف العالمية؟؟!..

* * *

* التخاذل العالمي والنتائج المستقبلية المتوقعة..

هذا ما عنَّ لي وأنا أعيد قراءة ما تفضل به مقام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله ورعاه.

دمتم بخير، ودامت بلادنا آمنة مطمئنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان. وإلى لقاء. والسلام.

مقالات أخرى للكاتب