Tuesday 05/08/2014 Issue 15286 الثلاثاء 09 شوال 1435 العدد
05-08-2014

الغائب ... الواعي؟

يبتئس الإنسان إذا ما علم أن أحد المعارف حصل له شيء وضعه في غيبوبة، وقد يغلب اليأس على بعضهم فيظن أن الداخل في غيبوبة مفقود، خاصة لو كان سببها قوياً مثل حادث سيارة – وللأسف أن الكثير من هذه الإصابات يمكن تفاديها بربط حزام الأمان الذي نهمله، والذي يمنع ارتطام الرأس بالمقود أو الزجاج -، لكن الفضل لله في معرفتنا أن الغيبوبة ليست النهاية، ولا أقصد فقط كون الكثير من الداخلين في غيبوبات يفيقون بعد فترة من الزمن- ولله الحمد-، وإنما التطور الطبي الذي نعيشه اليوم فتح لنا آفاقاً لم نكن نبصرها من قبل، ولا أفضل من أن نذكر اكتشافات أدريان أوين.

العالم البريطاني أدريان أوين تخصص في علم المخ، وله فيه أبحاث ومنشورات علمية، لكن لعل أشهر ما فعله هو تجربة عام 2010م أظهرت شيئاً مدهشاً، وهو أن بعض الساقطين في غيبوبة لديهم وعي بما حولهم. استخدم العالم وفريقه جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI لقياس الحركة في أجزاء مختلفة من أمخاخ المصابين، فمثلاً سألوا إحدى ضحايا حادث مروري أسئلة بسيطة مثل: «هل اسمك فلان؟» وطلبوا منه إذا كان رده بالإيجاب أن يتخيل نفسه وهو يمشي حول بيته، وأما إذا كانت إجابته بلا فيتخيل نفسه وهو يلعب التنس.

المقصود أن كلاً من المشهدين يشعل في المخ جزءًا معيناً، فالمشهد الأول ينشط الجزء في المخ المسؤول عن المكان، والثاني يحرك القسم المختص بالحركة، فيسهل على العلماء التفريق بين الجزءين، ومن ثم معرفة الإجابة بدقة. ما الذي حصل؟ لما سألوا الغارق في غيبوبته ذاك السؤال تحرك مخه وأجاب إجابة صحيحة! وأبرز تلك الحالات هي حالة المريض رقم 23 كما يُعرَف، فلما تُلِيَت تلك التعليمات للرجل الغارق في غيبوبة طويلة بدأت الأسئلة، وهذه المرة سأل أوين بضعة أسئلة متتابعة لمدة 30 ثانية، فسأل المريض: هل اسم والدك توماس؟ والتفت العالم لجهازه ورأى في مخ المريض نشاطاً مخياً في منطقة الحركة، أي أن الإجابة «لا»، وهي إجابة صحيحة، ذلك أن اسم والده ألكساندر، وكان هذا هو السؤال التالي، فسُئِلَ المريض: هل اسم أبيك ألكساندر؟ وهذه المرة أضاء القسم في المخ المرتبط بالمكان أي «نعم»! أعطوه المزيد من الأسئلة – وهو غارق في غيبيوته -: هل لديك إخوان؟ الإجابة: نعم.

هل لديك أخوات؟ الإجابة: لا إنها عملية شاقة للمريض الغائب عن الوعي لكنه أجاب إجابات صحيحة على كل الأسئلة الستة ما عدا الأخير الذي لم يُظهِر إجابة واضحة.

لم يكن النجاح واسعاً، ذلك أنهم جربوا هذا مع 54 مريضاً لم يتجاوب منهم إلا 5، أي أقل من العُشر. والتجربة أيضاً تسلط الضوء على بعض الأسئلة الأخلاقية، مثل: هل نفصل الأسلاك التي تزود فاقد الوعي بالحياة؟ ولهذا تجنّب أدريان أوين أن يسأل الغائبين عن الوعي السؤال الكبير: هل تريد أن نفصل الأسلاك؟ قائلاً أن التجارب في بداياتها، وأن هذا السؤال لم يحن وقت طرحه عليهم بعد. وأياً كانت المسألة فهذه النتائج مدهشة وتعطينا أملاً.

i.alammar.11@gmail.com

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب