Wednesday 06/08/2014 Issue 15287 الاربعاء 10 شوال 1435 العدد
06-08-2014

بؤس العالم

قال مؤرخو سيرة «كارل ماركس» إنه لم يستمتع خلال حياته بتأليف كتاب قدر استمتاعه بكتابه «بؤس الفلسفة», مضيفين أنه كان يحدث له في بعض المرات أن يغرق ضحكاً وهو يقرأ سطوراً كان انتهي لتوه من كتابتها. ليس هذا لأن الكتاب، في حد ذاته، مضحك أو هزلي، بل لأن ماركس - ووفق ما كان يقال - كان لا يفتأ يتخيل غريمه الفكري، الفرنسي برودون، وقد استبد به الغضب الشديد وهو يقرأ فقرات لا تكف عن السخرية من بعض أقوى صفحات كتاب كان، برودون، قد نشره في عنوان «فلسفة البؤس».

وواضح أن كتاب ماركس إنما كان رداً على كتاب برودون، مع العلم أن الخلاف الفكري بين مؤسسي الاشتراكية المعاصرة (في ذلك الحين) هذين، كان بدأ قبل ذلك بكثير، وأدى إلى شق الصفوف الأمامية.

الاشتغال على بؤس الفرد، اشتغال على بؤس العالم: مجموع الأفراد المتراكمة. الاشتغال في تناقص, البؤس في ازدياد. هل نُعرف البؤس MISERABLE، والمجتمعات أغلبها بائسة, والفيلسوف (لاوتسو) يقول: السعادة هي أن تولد في البؤس، والبؤس يختبئ في قلب السعادة. أو كيف نُعرّف البؤس وأمامنا كُتب عدة البؤس ثيمتها وفاتحة غلافها: (شجرة البؤس لـ طه حسين)، (بؤس العالم) أنجزه باحثون اجتماعيون بإشراف عالم الاجتماع الفرنسي: بيار بورديو، (بؤس الفلسفة لـ كارل ماركس، يرد فيه على كتاب (فلسفة البؤس لـ المفكر الفوضوي الفرنسي: برودون). عن تعريف البؤس يتكفل الوضع الراهن. وتتولى الأحداث الموجعة دور توصيف المعنى، وشرح التعريف باستفاضة، حيّاً على الهواء وعلى ذبذبات الشبكة التفاعلية. العامة البسطاء رؤيتهم للبؤس متواضعة تواضع أردية يسترون بها عريهم، لكنه البؤس وإن تواضع. وإن جف بسببه ريق الفقير، وقصّف البرد أكتافه، وشذّب أطرافه، فقعد عن العطاء والإنتاج وإشباع عياله. البؤس في انتفاضتنا على بعض، في حب أكل لحم إخوتنا موتى، في جريان دم النثر، ونزف دماغ السرد، وانهمار دمع الشعر، وقد لُقب الشاعر: محمود أبو الوفا بـ شاعر البؤس. وما أكثر البؤساء من الشعراء والأدباء والمفكرين، إذا ما تذكرنا رواية: البؤساء لـ فيكتور هوجو. في القرآن، كثيراً ما تكررت مفردة بئس: وأصلها من البؤس فأسكنت الهمزة ونقلت حركتها إلى الباء. ولا أتصور توصيفاً لمأساة فرد، مجموع الأفراد المتراكمة في العالم، أبلغ من كلمة: بؤس. الأسى على ملامح الطفل اليتيم المعدم: بؤس. الطفل الفرد في عالم ينتظره غداً ويرتقب خطوه ولمساته وتشكيله. الانحرافات المتتالية، والجرم المتعدد، والابتزاز الدائم، والتلاعب المستمر، والعبث اللانهائي، والحزن الغائر، والبكاء الذي حفر أخاديد: بؤس بائس مذموم، يصعب مدحه، أو نفخ أوداجه، أو تعبئته ثناء. البؤس: الفعل الجامد أو فعل الجمود المستدرج للقهر والحرمان والتشتت والضياع وتآمر الإخوة ضد بعضهم، والفرد ضد الجماعة، أو الجماعة ضد الفرد، تآمر المسلم العربي ضد قرينه.

البؤس الفلسفة، أو فلسفة البؤس التي وإن حاول العلماء الاشتغال عليها فإنهم لن يتمكنوا سوى من التوصيف دون العثور على القبض على عنق الحل وانتشال الفرد، مجموع الأفراد المتراكمة في العالم من حوض البؤس إلى حياض النعيم. في الخبر أنه عليه السلام: (كان يكره البؤس والتباؤس والتبؤس) (الحديث عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويبغض البؤس والتبؤس) أخرجه البيهقي. يبغض: البؤس والتبؤس!!.

bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443

Twitter: @HudALMoajil

مقالات أخرى للكاتب