قصة قصيرة-

رغيف حلم طازج

قبيل اقتحامه الدار العالية، حدق بألم في الميزان المزخرف الذي يغطي الواجهة الأمامية للدار. وجد نفسه وسط قاعة كبيرة، يتضوع التاريخ من حيطانها المتكلسة وطاولاتها وكراسيها الحائلة اللون والمصنوعة من خشب الصاج.

دار على نفسه، ثمة أقوال وحكم عديدة في العدل نقشت على الجدران. انتبه لوجود قضاة - كانوا قبل دخوله يتدارسون في أمور الحرية والديمقراطية - فصرخ: - أنا جائع. رمى القضاة بأنفسهم تحت الطاولات والكراسي التي راحت تهتز فوق أكتافهم.

أحدهم أخذ يتلمس الأرض بيديه بحثا عن وجهه الذي سقط بالقرب منه، آخر يهمس: جاءك الموت يا تارك الصلاة، فيما ثالث يمسك نفسه بشدة خوفا من أن يفعلها في بنطاله.

- مم تخافون؟ لثلاثة أيام مضت لم تدخل جوفي لقمة واحدة. هل جعتم يوما أيها السادة؟ الألم يدق إسفينه في صدغي.. بطني.. عظامي. اليوم رأيت كلبا يأكل في كسرة خبز يابسة وعفنة.

هجمت عليه. دخلت معه في قتال ضار ولم أتركه إلا وانتزعتها من بين أنيابه التي غرزها عميقا في لحمي أكثر من مرة. أمسك عن الكلام عندما رأى إن القضاة مازالوا يرتعشون في مخابئهم. أدار ظهره وحالما خرج تداعت الدار من خلفه بقوة مخلفة أتربة خنقت رئتي السماء.

هل هذه مدينة؟! وهل هؤلاء بشر؟! كانت أشعة الشمس القوية تضرب برأسه والدنيا تدور به. هل يشرفكم أيها المتخمون أن انهار؟ولم يكد يسير بضع خطوات حتى سقط كحجر ثقيل مغميا عليه. يومان وهو في ذات المكان لم يشعر به أحد ولم ينجده أحد! يومان وهو يلوك أرغفة الحلم الحارة والطازجة.

تحت جنح الظلام، تسلل إلى قصر غارق في الطغيان وبات على مقربة من اللصوص. حديقة مزحومة بالورود النادرة ، مياه ملونة تتراشق في النافورات، وأرجوحة من زمن الأباطرة تطلع من نافذة، فرأى عجوزا يعد رزم المال ويطبع عليها قبلة حلوة. تركه دون مبالاة. تطلع من أخرى، فرأى امرأة بلباس نومها تصفف شعرها واللهب يحرق وجنتيها بانتظار العجوز.

تركها أيضا.لم يمض وقت طويل حتى سال لعابه بغزارة، فعرف أنه على مقربة من المطبخ. أخيرا عثر عليه. تطلع إلى الداخل وعندما تأكد من خلو المكان، دفع ردفة الشباك وقفز. فتش والغضب يركب رأسه. لم يجد غير رغيف واحد. حدس بأنه سيبقى جائعا حتى بعد تناوله الرغيف، اقتربت يده بالرغيف من فمه.

انفتح فمه فانفتحت الباب بسرعة وانطلقت ثلاث إطلاقات استقرت في صدره أردته قتيلا في الحال. الدم غطاه تماما. لم يستسلم حتى وهو ميت. حتى وهو ميت لم يستسلم، إذ نهض من موته. التهم الرغيف ثم عاد لموته.

- بشار صبحي