نص

واختلى بنفسه

دونك البلاد الشاسعة والقفار الواسعة، فصُبَّ فيها من نفسك ما يجعلك ذا قيمة!

هل يُسعدك أن آذيتَ نفسك؟ أنت قادرٌ على اغتراف الحزنِ من فمِ الذاكرة المُطبق أنَّى شئت؛ ولكنَّك تنحى قدرتك تلك عن كشف سنِّ بسماتك. لِمَ يا تُرى؟

أتؤثرُ الأسود على الأبيض، والجرح على البُرء، والداء على الدواء، وكفن الموت على مهد الحياة؟!

من أيِّ البشرِ أنت؟! .. أمِمَّن انكبَّ على الأرض فما فَطِنَتْ له السماء؟ أم ممن تقرَّب إلى السماء فلفظته الأرض؟ أم تُراك ممن لم تعرفه إحداهما، أو كلاهما؟!

بالله أين أنت؟ .. جِدْ لي نفسكَ, أأنتَ معكَ أم تولَّيْتَ عنك؟ .. انفث، فقد يملأ هذا هواءك الفارغ من أسباب الحياة. انفث فمثلك يقوى على النفث، ثم بُث، حتى يكلَّ بك لسانُك، وتزدريكَ آلامُك، وتعْتمُّك أحزانُك!

هل في ذلك شفاء؟ أم نسيم امتثال لعافيةٍ ما؟! ..ممَّ تشكي؟ إخال أنَّ ألمك مما لا تعرف له صفةً فضلاً عن أن تحدد له موضعاً حسياً أو معنوياً، ثم فضلاً عن أن تجد له مسلكاً في الشكوى.

لكنني على كل حال، أعلمُ أنَّه ألمٌ والذي خلقك.. ثق في ذلك الصبر الذي صرفت نفسك عنه إلى كل شيءٍ اعتقدت أنَّ فيه البلسم والدواء فإذا به لا يخلو إلا منهما، وظلَّ ذلك الصبرُ أمامك لا يسترجيك ولا يستعطفك غير أنَّه يردد لك في صمته الذي تراه سمةً له: أنا لها، أنا لها.

ثمنك باقٍ ما بقيَت كلماتك تبوح عنك، صدقني أنت لن تتكرر مرةً أخرى، إذا لم يكن على هذه الأرض، فعلى هذا الحيز من الإنسانية الحقة التي بلغتها وأنت قد بذلت من روحك روح الإيمان بنفسك، حتى تلاشيتَ قيمةً أكبر من أن تبصرها رؤية، أو يحيط بها نظر.

- مبارك الهاجري