عارٌ طويل الأجل

اختيار خطيب الجمعة لهذا الموضوع لم يكن لأنه لم يجد فكرة مناسبة لِوَعظ الناس، ولم تكن هذه الفكرة لسهولة الحصول على ما يعززها من النصوص الشرعية ولا لبساطة إعدادها وصياغتها، إنما هو في ظني لاستشعاره خطورة الأمر الذي ألمّ بالمجتمع وبدأ يظهر ويندفع إليه غافلون او مُغيّبون عن عِظَم آثاره الوبائية، وفتكه بالأسر المتماسكة المتحابّة، فقد استهل خطبته بقوله:

حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ جَرِيمَةٍ شَنِيعَةٍ نَكْرَاءَ، عَارُهَا يَهْدِمُ الْبُيُوتَ الرَّفِيعَةَ، وَيُطَأْطِئُ الرؤوس الْعَالِيَةَ، وَيُخْرِسُ الْأَلْسِنَةَ الْبَلِيغَةَ، وَيُبَدِّلُ أَشْجَعَ النَّاسِ مِنْ شَجَاعَتِهِمْ جُبْنًا لَا يُدَانِيهِ جُبْنٌ، وَيَهْوِي بِأَطْوَلِ النَّاسِ أَعْنَاقًا، وأَسْمَاهُمْ مَقَامًا، وَأَعْرَقَهُمْ عِزًّا إِلَى هَاوِيَةٍ مِنَ الذُّلِّ وَالْاِزْدِرَاءِ وَالْحَقَارَةِ، مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ، هِيَ أَقْدَرُ أَنْوَاعِ الْعَارِ عَلَى نَزْعِ ثَوْبِ الْجَاهِ مَهْمَا اِتَّسَعَ، وَبِنَبَاهَةِ الذِّكْرِ مَهْمَا بَعُدَتْ، وَإِلْبَاسِ ثَوْبٍ مِنَ الْخُمُولِ، وَهِيَ لَطْخَةٌ سَوْدَاءُ، إِذَا لَحِقَتْ تَارِيخَ أُسْرَةٍ غَمَرَتْ كُلَّ صَحَائِفها الْبِيضِ؛ إِنَّهَا جَرِيمَةُ الزِّنَا - أَعَاذَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهَا - فَالزِّنَا هُوَ الذَّنْبُ الظَّلُومُ، وَهُوَ الْعَارُ الَّذِي يَطُولُ عُمْرُهُ طُولًا، فَقَاتَلَهُ اللهُ مِنْ ذَنْبٍ.

ثم أورد جملة من النصوص الشرعية من القرآن والسنة المطهرة التي تؤكد على عِظم هذه الجريمة وآثارها على الاسرة والمجتمع، وقدّم النصح للشباب والفتيات خاصة وللناس عامة وحَثّهم على اجتناب مواطن الفتنة وأسباب الفساد الأخلاقي.

بعد هذه الخطبة استذكرت أخباراً ووقائع ذات علاقة بالموضوع، كما أنها دفعتني لتتبع أخباراً لاحقة أسهمت بزيادة تَفَهّمي لموقف الشيخ واختياره لموضوع الخطبة، فوفقاً لبيانات أوردها موقع وزارة العدل فقد وصل عدد حالات طلاق السعوديين في العاصمة منذ بداية العام إلى شهر شعبان 5452 حالة طلاق، وهو رقم مُلْفت ساهمت به جملة من المسببات التي يحذر منها المخلصون، الشيخ تركي الشليل المتحدث باسم هيئة (الحُسبة) أعلن قبل أيام عن ضبط نساء يعرضن أنفسهن للزواج بعقود غير شرعية، وحذّر من استغلال موضوع الزواج والخطبة بوسائل مشبوهة، كما أعلنت الهيئة مؤخراً عن إيقاف أحد أشهر ممارسي الرقية الشرعية بإحدى المناطق لما لوحظ عليه من تجاوزات شرعية وجملة من الشكاوى بتستره بالمهنة لأغراضه الدنيئة، ومنذ أيام ضبطت الهيئة بإحدى المحافظات الغربية وافدًا عربياً أقام علاقات محرمة تحت مسمى (التدليك والمساج) للنساء، كان يستغل الإنترنت للتواصل وعرض أعماله المُحرمة، واللافت هنا إقبال النساء الغافلات أو (المغفلات) على هذا الانحراف الصريح في صوره المتعددة، وهو ما تتصدى له أصوات اجتماعية واعية، غير أن فئة لا زالت في سباتها.

والبحث عن مواطن الرذيلة والزنى (ومثله التحرش) يرجعه المختصون في كثير من حالاته إلى دوافع مَرَضيّة تُبتلى بها بعض الأنفس البعيدة عن المروءة، الفاقدة للإحساس بالقيم الإنسانية النبيلة، تقول لمياء السويلم ـ كاتبة وناقدة اجتماعية سعودية: سيكولوجياً؛ يتم التفريق بين التحرش المَرَضي والتحرش العَرَضي، فالعرضيون لا يتحرشون إلا عندما تتهيأ لهم الظروف، بينما المتحرش المريض يعاني من اضطراب جنسي يمكن تصنيفه كشخصيات أو ميول محددة، التحرش المرضي يحتاج للعلاج النفسي لكن ذلك لا يعني أنه لذاته ليس بجريمة ولا يعني أن المريض ليس مجرما.