21-08-2014

هل من حل يا وزارة الخدمة؟

تذهلني الدقة الرشيقة التي تظهر في ملاحظات وزارة الخدمة المدنية حول استحقاق الموظف، بالدرجة نفسها التي تذهلني فيها هذه الدقة والرشاقة في ابتداع المبررات وأسباب الرفض، فالغالب أن حق الموظف فيه وجهة نظر،

بينما للقرارات والبنود والفقرات عمق المحيط الهادي.

والمحيط الهادي الذي تبلغ مساحته قرابة مساحة ثلث الكرة الأرضية ويختزن أعمق منطقة بحرية في العالم المسماة (تشالنجر ديب) بعمق أحد عشر كيلاً تقريباً يشابه إلى حد ما في طبيعته حال وزارة الخدمة المدنية، فهي وزارة الوظائف والموظفين أو العمق الائتماني لأغلب المواطنين، والوظيفة والموظف أشبه بحالة أمواج هذا المحيط التي تدور مع دوران الساعة في شمال خط الاستواء وبعكس عقارب الساعة في جنوبه، وكأن خط الاستواء خط الاستحقاق بين الوظيفة والموظف، والطريف حقاً أنه ومثلما أن الماء في هذا الخط وما حوله يعد الأقل ملوحة فإن تلك الدقة الرشيقة التي تظهر في ملاحظات الوزارة في خط الاستحقاق تصبح ناعمة ومطواعة، والمحيط الهادي يعج بأكبر حركات السير البحرية بينما لا تكاد تسمع تداول لأخبار عن هذه الوزارة في وسائل الإعلام إلا القليل رغم أهميتها على الأقل باعتبارها أكبر حاضنة توظيف في البلاد، والحق يقال إن البيئة العملية لوزارة الخدمة المدنية ونظام شئون مراجعيها وانضباطية موظفيها وحرصهم واهتمامهم أكثر من رائع ولا تكاد ترى مثله في وزارة أخرى.

هناك حقاً ما يستحق التوقف عنده بين تفوق وزارة الخدمة المدنية في الانضباط والتنظيم وبين إحساس الكثير من موظفي الحكومة بالغبن أو عدم الرضا في العدل والإنصاف، وأكاد لا أجد منطقاً لهذا الغبن وعدم الرضا المبني أو المزعوم على غياب العدل والإنصاف في جهاز يتميز بانضباطية موظفيه وحسن تنظيمه لشئون مراجعيه بشكل قل أن تراه في جهاز آخر، بيد أنه لابد أن يكون هناك أمر ما يستوجب كشفه وبحثه لحل هذا اللغز، وإذا كان الغوص في أعمق نقطة في المحيط الهادي أمراً في غاية الصعوبة لارتفاع ضغط الماء فلا شك أيضاً في أن البحث عن شائبة في جمال الصورة التي ترتسم في ذهن المراجع لوزارة الخدمة المدنية صعب ومتعب، لو لا أن موظفين يقبعون لسنوات طويلة على درجة ومرتبة واحدة دون حتى أن ينالوا العلاوة السنوية التي ينالها كل موظفي الحكومة، وهذا بالتأكيد أمر غابن وغير مرضي، كما أن استحقاق الترقيات والتعيينات الذي يحظى به موظف أو موظفة بين موظفين أحق أمر غابن وغير مرضي، والأشد غبناً وانكأ جرحاً حين تصبح الوظيفة هي المعيار للمرتبة والدرجة وليس المؤهل والاستحقاق، فعلاً هنا نحن أمام عمق خطير، فالإجابة المتوقعة من الوزارة حول مثل هذه النقاط سيكون مبنياً على أبواب وقرارات وبنود وفقرات النظام التي لا تستطيع أمامها إلا ممارسة الشعور بالغبن وعدم الرضا دون أن تجد ما يعينك في العدل والإنصاف لعدم وجود الظلم أصلاً، وكيف يكون ذلك والخصم هو الحكم والمقنن والمفسر والمعطي والمانع، ألم أقل إنه وكلما زاد العمق زاد الضغط.

أفهم أن لكل وظيفة مرتباً شهرياً كالتزام مالي على وزارة المالية، وأن الحرص على المال العام واجب وفرض، وهو ما يجعل التمحيص والتدقيق أمراً مهماً وملزماً وإن أظهر ما لا قد يتوقع الموظف أو يستوعبه، وأفهم أن هناك سلماً أو جدولاً لمسمى الوظائف والمرتبات والدرجات لا يمكن تجاوزها وإن كان من مخلفات القرن ربما ما قبل الماضي، وأفهم أيضاً أن الوزارة تنظر في كمية كبيرة من المطالبات وتستشعر كثيراً من حالات عدم الرضا وتجتهد في تحقيق المصلحة قدر المستطاع، وأفهم أن هناك كثيراً من الموظفين والموظفات يمارسون أعمالاً ووظائف تتناسب ومؤهلاتهم وكفاءتهم ولا يتقاضون إلا ربع أو نصف معاشها بناءً على مسمى الوظيفة المتجمد في أطراف المحيط الهادي أو لنقل صحاح نظام الخدمة المدنية، وأفهم ويفهم الكل أن حالة عدم الرضا هي قصة متوارثة من الأجداد جيلاً بعد جيل ومن وزير إلى وزير دون أن تقدم هذه الوزارة حلاً حتى تاريخه.

Hassan-Alyemni@hotmail.com

Twitter: @HassanAlyemni

مقالات أخرى للكاتب