25-08-2014

الصورة الذهنية للمرأة في المخيال الشرقي

لن نعثر في طيات التاريخ المدون على الكثير حول السيدات اللائي جلسن على عرش مصر بجوار أزواجهن لإدارة الحكم. هذا ما توصلت إليه بعدما حفزني مسلسل «سرايا عابدين» للبحث حول شخصية الوالدة باشا، وهي والدة الخديوي إسماعيل الملكة خوشيار. ومن الثابت تاريخياً أن عصر الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر في الفترة بين (1863 - 1879) كان عصراً تجديدياً على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية وغيرها؛ فقد انبهر الخديوي بفرنسا التي تلقى فيها تعليمه، وعهد أن يحول مصر لباريس أخرى؛ فمال المجتمع المصري إلى محاكاة الأوروبيين في المسكن والملبس والعادات، كما افتتح أول مدرسة لتعليم البنات. وبحسب المؤرخ سمير رأفت، فإن أيام الخديوي إسماعيل شهدت بروز دور المرأة في الحكم، وكان ذلك من خلال «الوالدة باشا» أو «الأم الحاكمة»، التي استمدت قوتها من أنها عملت مستشارة سياسية لابنها طوال سنوات حكمه لمصر. وصدقاً، كان دور الفنانة يُسرا وأداؤها الفائق لشخصية خوشيار هانم هو ما أخذني للغوص في تاريخ تلك الحقبة وأسباب حضور المرأة البارز فيه؛ لأنه كان تحولاً جذرياً لدور المرأة في ذلك الوقت من اختزاله في إنجاب الذكور للحفاظ على الملكية، إلى تعليم المرأة اللغات والموسيقى ومبادئ الحساب وغيرها.

الطريف في الأمر أنني في غمرة نشوتي بما وجدت من حضور واهتمام بالمرأة في القرن الثامن عشر ميلادية، أي قبل ثلاثة قرون تقريباً، فوجئت وأنا أتصفح تويتر بتغريدة وضعها المهندس مهند الحسون (وهو مغرد سعودي مهتم بنجاحات المرأة الخليجية والسعودية بشكل خاص) عن اختيار البروفيسورة «غادة المطيري» لعضوية هيئة التحرير لمجلة العلوم الحيوية التابعة للجمعية الكيميائية الملكية البريطانية. وتضمنت التغريدة صورة لغادة في معمل كيمياء. وقد أعيد تغريدها ألفَيْ مرة، كما أثارت جدلاً بين التيارات المعتدلة والمتشددة كالعادة؛ فلم يرَ البعض في الخبر أي شيء سوى عدم ارتداء غادة الحجاب! وبدأت الشتائم تنهال من كل صوب. أحد المغردين المتطرفين كتب: «سؤال صعب؛ لا أحد يغضب مني: كيف أعرف أن هذه مسلمة ولا يهودية ولا مسيحية؟ إيش الفرق؟ علموني الله ينوركم. إن البقر تشابه علينا». فرد عليه مغرد آخر: «ذكرتني بمقولة غاليرون: عندما تكون ثوراً فمن الطبيعي أن ترى الآخرين مجرد بقر. عموماً، ليس من الضروري أصلاً أن تعرف ديانة الآخر».

لقد أعادني اللغط الدائر حول تغريدة المهندس الحسون إلى واقعنا في 2014، بعد رحلتي الرائعة في القرن الثامن عشر. المعركة التي تشتعل غالباً حول التغريب وفوبيا فقدان الملامح الإسلامية كلما لاح طيف امرأة في مجال علمي أو شأن حيوي أو دور حركي بعيداً عن أدوارها التقليدية التي فرضها المجتمع. يحاول ممثلو هذا الخط قولبة المرأة المسلمة في أطر مسبقة التشكيل، لا يحق لها تجاوزها. وفيما يخص المرأة، تكون هذه الأطر متمحورة حول المظهر أولاً وأخيراً متناسين كل إنجاز أو مهارة أو موهبة في مقابل تلك الأطر. واستغلالها تالياً في عزل المرأة وقمعها تحت مسمى الفضيلة والشرف!..

kowther.ma.arbash@gmail.com

kowthermusa@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب