يبدأ زيارة رسمية يلتقي خلالها الرئيس فرانسوا هولاند وكبار المسؤولين

ولي العهد يستكمل خارطة طريق وضعها الملك عبدالله في العلاقات الإستراتيجية بين المملكة وفرنسا

باريس - موفد الجزيرة - سعد العجيبان:

يبدأ صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بداية شهر سبتمبر القادم ، زيارة رسمية لجمهورية فرنسا يلتقي خلالها فخامة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.

ومن المقرر أن تكون سبل تطوير العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا في مختلف المجالات في مقدمة الموضوعات التي سوف تطرح على طاولة النقاش، إضافة إلى مناقشة وبحث القضايا الإقليمية والدولية التي ستكون محورا للبحث المشترك مثل تطورات عملية السلام في الشرق الأوسط خاصة في ضوء تطورات الوضع في الأراضي الفلسطينية وتدهور الوضع الأمني في العراق وسوريا وتطورات الوضع السياسي والأمني في لبنان والموضوعات المشتركة الأخرى. وتأتي زيارة ولي العهد لجمهورية فرنسا مكملة لما أرسى قواعده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بما يضمن تطوير العلاقات الثنائية المشتركة بين الرياض وباريس ويخدم مصالح البلدين الصديقين.

فقد شهدت العلاقات السعودية- الفرنسية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفخامة الرئيس فرانسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية تطورا ملحوظا توّج بتعزيز التعاون بين البلدين الصديقين في المجالات كافة، وذلك في ظل تصاعد الأزمات الدولية والعربية والإقليمية، حيث كانت مواقف البلدين وتوجهاتهما السياسية متطابقة تجاه تلك الأزمات.

البعد السياسي القوي

زيارة سمو ولي العهد إلى فرنسا تأتي لتؤكد من جديد البعد السياسي القوي في العلاقات السعودية- الفرنسية.. هذا البعد ترجم عملياً بحوار سياسي مكثف انطلق منذ ثلاثينيات القرن الماضي.. فقد أنشئت أول بعثة دبلوماسية فرنسية في المملكة عام 1936 م.. قبيل سنوات قليلة على انطلاق الحرب العالمية الثانية، وكانت هذه البعثة قد سبقها من الجانب الفرنسي إرسال قنصل مكلف بالأعمال الفرنسية لدى المملكة وذلك في عام 1929م.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الزيارة التاريخية التي قام بها الملك الراحل فيصل إلى فرنسا عام 1967م والمحادثات المكثفة التي أجراها في تلك الزيارة مع الجنرال الراحل شارل دي غول قد مكنت القيادتين السعودية والفرنسية من تأسيس أرضية للعلاقات الثنائية كان البعد السياسي قاطرتها وظل الهدوء والحكمة مقودها.

اهتمام المملكة بالجوانب السياسية في علاقاتها

وقد حرص كل الملوك الذين تولوا مقاليد الحكم في المملكة وكل الرؤساء الذين تعاقبوا على فرنسا انطلاقاً من تلك السنة على زيارة البلد الآخر ولو مرة واحدة على الأقل، حتى أن تلك الفترة التي انقطعت خلالها العلاقات السعودية- الفرنسية من عام 1956م إلى عام 1962م كانت فترة سعت المملكة خلالها إلى إبراز الأهمية التي توليها القيادة السعودية للجوانب السياسية في علاقاتها مع العالم، فالمواقف التي وقفها البلدان خلال تلك الفترة من ملفي العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر وحرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي حملت المملكة على مقاطعة فرنسا، باعتبار أن القيادة السعودية لم تكن تقبل بهذا العدوان وبأن تظل الجزائر تحت نيران الاستعمار الفرنسي.

تطابق وجهات النظر

وإذا كان من الطبيعي أن تختلف الدول قليلاً أو كثيراً فيما يخص ملفات كثيرة من تلك التي تطرح على الساحة الدولية فإن سجلات العلاقات السياسية السعودية- الفرنسية تؤكد أن تطابق وجهات النظر بخصوص مواقف كلا الطرفين من أبرز القضايا الإقليمية والدولية لم يكن جزءاً من القاموس الدبلوماسي التقليدي، بل ظل يترجم عن واقع تكرسه ممارسات البلدين إزاء تلك القضايا.

النزاع العربي الإسرائيلي

ففي ملف النزاع العربي الإسرائيلي كان البلدان متفقين منذ البداية على مبادئ ثابتة من بينها تمكين شعوب المنطقة ومن بينها الشعب الفلسطيني من العيش في بلدان تتمتع بالسيادة الكلية وتتعامل مع جيرانها من خلال منطق السلم لا الحرب، وكانت فرنسا في مقدمة الدول الغربية التي رحبت بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الداعية إلى إقامة سلام في منطقة الشرق الأوسط ينطلق من مبدأ استرجاع الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل مقابل اعتراف العالم العربي بها واعتبرت أنها مبادرة تقوم على التأني والحكمة.

الملف العراقي

وبخصوص الملف العراقي كان الطرفان الفرنسي والسعودي متفقين في أغلب مراحل تطوراته انطلاقاً من حرب الخليج الأولى، حيث كانت لدى القيادتين السياسيتين قناعة تنطلق من أن إيران «الخميني» كانت تشكل فعلاً خطراً على الوضع الإقليمي في منطقة الخليج إذا سعت إلى تصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة، ومن ثم كان من الضروري مساعدة العراق على التصدي لهذا الخطر، ولكن عندما غزت القوات العراقية الكويت في عام 1990م وجدت المملكة وفرنسا نفسيهما في خندق واحد، انطلاقاً من قناعة أخرى تقضي بأن عملية الغزو تتنافى وكل الأعراف والقوانين الدولية، وكانت المملكة وفرنسا أيضاً في صف الذين اعترضوا على الحرب الأمريكية على العراق باعتبار أنه لم تكن ثمة دواع حقيقية وموضوعية ومشروعة لشن مثل هذه الحرب ولأن استخدام القوة ضد أي بلد لا يمكن أن يتم إلا بإذن من منظمة الأمم المتحدة.

الإرهاب

وأما بخصوص الإرهاب المنسوب إلى المجموعات الإسلامية المتطرفة الذي يستهدف البلدين وبلداناً كثيرة أخرى في العالم، فإن هنالك اليوم وجهة نظر يشترك فيها الطرفان السعودي والفرنسي حول طريقة علاج هذه الآفة، والملاحظ أن فرنسا قد ساندت مبادرة المملكة المتمثلة في عقد مؤتمر دولي حول الإرهاب، كما أبدت تجاوباً كبيراً مع مقترح خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الهادف إلى إنشاء مركز عالمي لمكافحة الإرهاب.

متطلبات المرحلة

وقد وضعت المملكة وفرنسا أسس العلاقات المستقبلية بينهما بمفهوم إستراتيجي ينسجم مع متطلبات المرحلة والمتغيرات الإقليمية والدولية، استنادا على مركزية المملكة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، إضافة إلى ثقلها الدولي، وفي المقابل مركزية فرنسا في أوروبا وثقلها الدولي أيضاً، بما يؤكد بلورة الرياض وباريس للخطوط العريضة للاتفاق الإستراتيجي الذي يتجه للاقتراب من مفهوم الشراكة.

وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة «على وجه التحديد» تقاسم الرياض وباريس مواقف متعددة في الملفات الدولية، وعلى رأسها سياسة التشدد في ملفين تكاد ترسم معالم شرق أوسط جديد (إن صح التعبير)، هي ملفا سوريا والنووي الإيراني.

الأزمة السورية والنووي الإيراني

فقد توافقت وجهات النظر السعودية والفرنسية تجاه الأزمة السورية، كما اجتمعت إرادة الرياض وباريس حول قضية البرنامج النووي الإيراني في حصول إيران ومتابعة برنامجها في الطاقة النووية المدنية، وأحقية الجميع في الحصول على هذه الطاقة السلمية التي تحقق التقدم في المستقبل، وفي الوقت ذاته يقف البلدان الصديقان ضد نشوء وانتشار الطاقة النووية العسكرية لإيران، حفاظا على أمن المنطقة.

الشأن اللبناني

كما أن لدى المملكة وفرنسا التوافق والموقف نفسه تجاه الشأن اللبناني ووحدة وسلامة أراضيه ودعم اللبنانيين كافة لبقائهم متحدين متماسكين من أجل أمن لبنان ونشر السلام بين جميع الفئات والطوائف اللبنانية، خصوصاً في الوقت الحالي، حيث أنها تستقبل الكثير من اللاجئين من جارتها سوريا نظراً لما يعانونه في بلدهم، وفي الشأن المصري كذلك كان موقف الرياض وباريس متطابق.

زخم جديد

إن الأهمية التي توليها فرنسا لعلاقاتها السياسية مع المملكة انطلاقاً من سبعينيات القرن الماضي دفعت بالقيادة الفرنسية العليا إلى القيام بخطوات تعكس في دلالاتها هذه الأهمية أيا تكن طبيعة الأغلبيات البرلمانية التي تعاقبت على البلاد، فيما سعت المملكة في إرساء الشراكة الإستراتيجية مع البلدان الكبرى ومنها فرنسا في تسعينيات القرن الماضي ما منح الرؤية السياسية السعودية زخماً جديداً في تعاملها مع العالم.

* * *

موضوع البعد الثاني :

العلاقات الاقتصادية السعودية - الفرنسية