29-08-2014

العودة إلى المدارس.. طقسٌ اجتماعي له حضورٌ مميز

سريعاً مضت الإجازة الصيفية.. وعادت الأسر من جديد تستقبل عاماً دراسياً جديداً وكلهم أمل بأن يكون عاماً متميزاً يحفل بعطاء مثمر وإنجاز يرتقي إلى درجات الفخر والاعتزاز، ونجاح وتفوق لأبنائنا الذين يبدؤون نقطة انطلاق رحلة دراسية تمتد لأكثر من تسعة أشهر تتخللها أيام إجازة متقطعة لاستعادة الحيوية والنشاط والعودة لإكمال ما تبقى من مشوار الرحلة الدراسية.

وبهذه المناسبة التي تتجه فيها أنظار الجميع نحو انطلاقة العام الدراسي الجديد وفي ظل عصر بلغت فيه الصراعات والأحداث المأساوية والإرهاب والتطرف مبلغاً يندى له الجبين وأرَّق حياة الأسرة والمجتمع والوطن.. أجد الفرصة سانحة لإلقاء الضوء على بعض أمور كنا في غفلة عنها إلى أن ضربت جذورها عقر دارنا.. وأُشار الحاقدون بأصابع الاتهام إلى هذا الوطن الغالي بأنه منبع الإرهاب والإرهابيين لذلك وكما يزعمون لابد من تجفيف منابع الإرهاب منها.. فتباً لأصابع أشارت بذاك الاتهام.

لا يخفى على أحد مدى الارتباط الوثيق للتعليم بالتربية.. والتربية تشمل الرقي الأخلاقي والمعرفي بكل مبادئه ومنبت ذلك البيت أولاً حيث بداية التنشئة ثم يأتي دور المدرسة والمجتمع.. إلا أن المدرسة هي المؤسسة الفاصلة التي تغذي الناشئة خلقياً ومعرفياً ولذلك ليس غريباً أن يُطلق عليها (البيت الثاني) لكن.. يبدو أن الافتقار للرابط الجوهري للتعليم بالتربية هو العلة وراء الفجوة بين الرقي التعليمي والرقي الأخلاقي عند البعض من أبنائنا.. فإلامَ نعزو ذلك؟ هل بعض البيئات المدرسية لم تستطع توفير قاعدة مُرْضِية تكون امتداداً للبيت وتعمل على إشباع أبنائنا بالمسؤوليات الأخلاقية تجاه أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم ووطنهم الذي يحتضنهم.. أم الخلل يكمن في البعض ممن يمتهن مهنة التدريس ولا يتورع عن انتهاك القيم الأخلاقية السامية بعد أن تشبع فكره بثقافة مغايرة لا صلة لها بالمبادئ الأخلاقية، بل هي أقرب إلى أن تكون فلسفة التطلعات المريضة فكرياً وثقافياً.

لقد نبهتنا الحقائق بعد سقوط الأقنعة أنه لم يعد من النادر أن نرى في عالم يموج بالصراعات علماء أو مهنيين مبدعين أو مثقفين هم على قدر عالٍ من التعليم والمعرفة لكنهم يحملون في عقولهم فكراً تطرفياً ولا يتورعون من توظيفه لنشر أهدافهم المقيتة، ومن ذلك تغذية عقول الشباب حدَّ التشبع بذلك الفكر ما يجعلهم يفقدون كل شعور بالمسؤولية الأخلاقية عندها تنصرف تطلعاتهم للقيام بعمليات مُفسِدة ومضرة لأنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم.

السؤال.. لماذا يفشل التعليم في إنتاج الشعور بالمسؤولية الأخلاقية وعن جعل المعرفة صنواً للرقي الأخلاقي والإنساني بكل أبعاده.. وهل التعليم هو المسؤول عن الفشل في الحيلولة دون بروز تشوهات فكرية على النحو الذي نشهده في المنظومة السياسية والاجتماعية العالمية في وقتنا الحالي.

التركيز الأحادي.. بمعنى التركيز على التعليم وإغفال بعضاً مهماً من أجندة التربية أو إسقاطها من لائحة المسؤوليات والمهام يُعد أمراً في غاية الخطورة إذا لم يلقِ له المسؤولون بالاً وأهمية.. وإذا استفحل هذا الأمر فقد يدفع الطالب نفسه للسخرية من القيم الأخلاقية والمقررات الدراسية وبيئته المدرسية وربما تحول الفصل الدراسي إلى ميدان يمارس فيه الأبناء من شباب ويافعين ضروب العنف.. فإذا كان التعليم يهدف لبناء الحضارة الإنسانية في مختلف السياقات دينياً ومعرفياً واجتماعياً، فلابد أن يكون التعليم مقروناً بأخلاقيات الحياة المجتمعية والمدنية السامية وبعيداً عن تلك المناظرات التي تتعلق بتوجهات معينة أو تغذي نزعات مضادة تقود إلى العنف والكراهية ورفض الآخر اليوم ومع عودة أبنائنا وبناتنا إلى بيتهم الثاني يحدوهم الأمل بأن يكون هذا العام عاماً دراسياً حافلاً بالعطاء والإنجاز.. وحقاً العودة إلى مقاعد الدراسة هو طقس اجتماعي له حضور مميز.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب