قصة قصيرة

يوميات أم حديجان

العام! لا يذكره. غير أنه في بداية الستينيات الميلادية من القرن المنصرم. وكان قد انتشر قبل 3 عقود وأكثر وسائل أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في العالم غير أنها في مناطق محددة من العالم العربي وتحديداً في المملكة ما زالت وليدة. وبالذات جهاز الراديو في بعض القرى.

هناك وخلف التلال البعيدة تمتد تلك القرى الحالمة الواعدة التي ترتفع آلاف الأقدام عن سطح البحر في الجهة الجنوبية الغربية من الملكة.

اتجه بأحلامه (شام). في لهجتنا وعُرْفِنا الدارجين من يسافر باتجاه العاصمة فهو ذاهب شاماً ولا أدري ما السر وراء هذه التسمية.

حمل ذلك الصبي أثقالاً على كتفيه من طموحات ورغبات وآمال وحطّ رحاله في العاصمة الرياض. تعلم فيها حتى أخذ شهادة المتوسطة الليلية والتحق بالسلك العسكري.

في إحدى الإجازات التي كان يحرص فيها على جلب بعض الوسائل الحديثة لأهله. أحضر معه جهاز الراديو الذي أذهلهم وكان حديث المجالس.

كان الوقت هو الشهر الفضيل وكان الجميع يتحلقون على نور الإتريك الذي يوقد بعد صلاة المغرب حتى يسدل الليل ستاره بعد صلاة العشاء بوقت يتسامرون فيه قليلا ثم يهجعون إلى وقت السحور.

وفي ليلة من تلك الليالي الهادئة أخرج لهم مايشبه الصندوق وأخذ يحشو جوفه ببطاريات الطاقة كي يقوم هذا الصندوق بعمله، ووسط ذهول الجميع ضغط على مفتاح التشغيل ولوى رقبته المغروسة في الجزء الأمامي من هيكله لتصدح من جوف ذاك الصندوق الساحر مقدمة (يوميات أم حديجان في ليالي رمضان) ذلك البرنامج الفكاهي الناقد.

كانوا يتناولون إفطارهم ويستمعون بدهشة. غير أن العجوز الطيبة استدركت الأمر فقالت فيما يشبه الأمر متوشحاً الرجاء «

_ عوال الحلال صكوه خلو العرب يفطرون..

قال إنه برنامج عبارة عن شخص يتكلم أكثر من صوت وهو سواء مسجّلاً أو مباشراً لا يصلح أن نغلقه سينتهي وقت بثه ونحن لم نسمعه. لم تفهم ما يقول أعادت ما سبق أن قالته بنبرة حادة وغضبٍ هذه المرة «

_ أقول صكوه خلوهم يفطرون، ما هم مسلمين مثلنا يصلون ويصومون غير خلوهم يصلون!

وفعلاً امتثلوا لأمرها. أغلقو الراديو، وأتمو الإفطار الذي هو عبارة عن تمر وقهوة وخبز وأشياء بسيطة قد لا تتعدى السمن.

ثم قاموا إلى الصلاة. وعند عودتهم. كانت العمة الجميلة هاشّة باشّة إذ إنها ترى أنها فعلت معروفاً وأنكرت منكراً... الهيئة موجود فينا منذ زمن.

اعتلت وجهها ابتسامة في احمرار لونها وقالت: - هيا شغل ذا اللي جبته ذالحين قد أفطروا وصلّوا مع المسلمين. شغله يا حسن.

للعلم حسن هذا هو والدي والقصة ليست من نسج الخيال بل حقيقة، والعمة هي سميتي شفاها الله وختم لها بجنات النعيم.

المهم أن حسن أخو منيرة أعاد تشغيل الراديو غير أن أم حديجان كانت قد انتهت حلقتها. قالت العمة في استغراب:

_ حسن يين ساروا؟

قال: ألم يقل المصطفى عليه الصلاة والسلام إذا طُعمتم فانتشروا!

انتشروا العرب وانا أخوتس.

ومن ساعتها خوفاً من أن ينتشروا لم تعد العمة تغلق الراديو..

تمّت

.....

معنى بعض المفردات

عوال: أبناء

صُكُّوه: أغلقوه

يين: أين

الصورة أدناه هي لما بقي

من ذاك الحصن الذي احتضن تلك القصة وقصصاً أخرى هي الآن ذكريات فقط. رحم الله ميتهم وعافى الحي منهم..

- مُنِيرة حسن