01-09-2014

أبكي على الأطلال

في عالمنا الجديد نحن بحاجة ملحة للحفاظ على ما تبقى من هويتنا البسيطة، وتراثنا غير المتكلف، وروح تلك الحياة الوادعة التي لم نغادرها - للأسف - إلا إلى المظاهر والقشور المادية، وأنماط الاستهلاك التي قد نقول عنها الآن: حياتنا العصرية، التي باتت هي شعار اليوم، وهي المحرك الوحيد لطلباتنا واحتياجاتنا التي طبعت بلون واحد مبهر هو الكمالي والمصنع والمعبأ.

بكاؤنا على الأطلال هنا يتمثل في شقين.. الأول حينما نُعيد ـ معنوياً ـ مع الفنان الجميل «أبو بكر سالم بالفقيه» ترديده الطربي لأغنية «ابكي على الأطلال» بما تحمله من شجن ولوعة وحب لذلك الماضي الذي رُسِمَ بشكل جميل، يعكس بساطته، ونقاء مرحلة التكوين الأولى لحياتنا على هذه الأرض التي سجل فيها الإنسان أدق تفاصيل المعاناة، وابتكر من معطيات الحياة حوله كل ما هو ضروري، بل تجاوزها إلى صنع ما هو جمالي يأسر المشاهد، ويجذب الرائي إلى مثل هذه الأعمال والمشغولات التي تحمل مضامين جميلة.

والأمر الآخر البكاء ليس للوعة على ما فات، أو شغف بما مضى من حياة بسيطة وبقايا حياة بريئة إنما نبكي ـ في المجاز أيضاً ـ قلقا على ما تبقى من متعلقات الماضي المتمثل في منجزات الأهل وتراث الأجداد، الذي يجدر بنا أن نصونه ونرعاه، لا سيما وأننا بين جيل مخضرم انتقل من حياة بسيطة وتقليدية إلى حياة أكثر تعقيدا وأكثر تحولا، على نحو طفرة النفط، وثورة البناء، والقروض البنكية، وما تبعها من تحولات ونقلات نوعية في أساليب العيش، وما لحق فيها من جوانب شكلية من قبيل التوافر المادي والحياة المدنية.

ومن وجوه التفريط بالأطلال أو التراث أو بقايا الأمس هو تجاهل كل ما هو قديم رغم ما يبذل من جهود للمحافظة عليه وعلى ما تبقى من معالم معنوية، وأخرى مادية، فلا أدل من ذلك إلا ما قاله الشعراء قبل مئات السنين حينما وقفوا على الأطلال في مطلع كل قصيدة عصماء، ليقولوا في ذلك الماضي الأشعار والقصائد الخالدة التي لا تزال حاضرة في معانيها حتى يومنا هذا، مما يؤكد على أن الآثار وبقايا المعاني في الحياة السالفة ناموس معرفي مهم يجدر بنا أن نقتفي أثره، لنتعرف على الواقع من حولنا، ونستطلع امتداداتنا الحضارية والإنسانية.

وحينما يأخذ الموضوع شأنا محليا أو إقليميا أو عربيا فإن التحرك في دول الخليج العربي على وجه الخصوص لبناء مشروع إنساني معنوي نابه بات ضروريا في هذه المرحلة، من اجل المحافظة على هوية الخليج العربي، وبناء صورته المعبرة ليس في تماسك الأطلال أمام المشاهد، إنما ببناء علاقة وطيدة مع النشء والأطفال تعبر عن رؤية جمالية تتعلق بالماضي، وتصوغ منه خطابا استرشاديا لما كانت عليه حياة المجتمع الخليجي .. وكيف أصبحت الآن؟.

ومن ابرز ما كرسته دول الخليج العربي من خلال مجلس التعاون الخليجي هو التحرك النوعي نحو التراث وصيانة (الأطلال) من خلال تفعيل العمل الوطني المتكامل ووفق رؤية ومشروع (وثيقة مسقط عام 2008م) التي أقرها قادة المجلس في ذلك العام، وكانت وثيقة تراثية وثقافية بامتياز، فهي تعكس أهمية الالتفات للتراث الخليجي وصيانته، والعمل على إرساء دعائم المشروع الثقافي والتراثي بشقيه المعنوي والمادي من خلال الحفظ والتوثيق والعناية بمكوناته، وتقديمه للأجيال بصورة جذابة وشيقة.

hrbda2000@hotmail.com

مقالات أخرى للكاتب