علاج مشكلة أوربان في أوروبا

ثورستن بينر - فولفجانج راينك:

برلين/ بودابست - في إبريل/نيسان الماضي، عندما هنأت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على إعادة انتخابه، كانت حريصة على تنبيهه إلى أن الأغلبية الكبيرة التي حصل عليها تعني ضمناً تحمل «مسؤولية خاصة» تتلخص في الاستعانة بحسن التقدير والتصرف بحساسية في التعامل مع المعارضين. ولكنه فعل العكس تماما.

الواقع أن أوربان تحدى القيم والممارسات الأساسية للاتحاد الأوروبي. وبمحاكاته لسلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، استغل أوربان حصول حزبه (فايدز) على أغلبية الثلثين في البرلمان لتمرير عدد من القوانين التي تهاجم ما تبقى من حرية وسائل الإعلام والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية في المجر.

ففي أحدث تحرك له ضد وسائل الإعلام، ذهب أوربان إلى فرض ضريبة إضافية بنسبة 40% على عائدات الإعلانات، من أجل إسقاط محطة آر تي إل كلوب، وهي آخر محطة تلفزيونية مستقلة الفكر في المجر. ومن ناحية أخرى، يضيق أوربان على منظمات المجتمع المدني المحلية، والتي يديرها من يندد بهم بوصفهم «ناشطين سياسيين مأجورين يحاولون فرض مصالح أجنبية». على سبيل المثال، أرسل أوربان مراجعين حكوميين لمضايقة المنظمات غير الحكومية التي تمولها الحكومة النرويجية والتي تروج للحريات المدنية وحقوق الإنسان. وفي الشهر الماضي، أقر البرلمان قانوناً يفوض مشرفاً معيناً من قِبَل الحكومة لكل جامعة نرويجية بصلاحيات تتعلق بالميزانية واستخدام حق النقض.

وفي كلمة ألقاها مؤخرا، كشف أوربان عن هدفه النهائي المتمثل في بناء «دولة غير ليبرالية» على «أسس وطنية»، مستشهداً بأنظمة استبدادية مثل روسيا تحت حكم بوتن، وتركيا تحت حكم رجب طيب أردوغان، ودولة الحزب الواحد في الصين باعتبارها أمثلة يُقتدى بها. ثم أكد أن هذه الخطط لا تتعارض مع عضوية بلاده في الاتحاد الأوروبي. قد يتوقع المرء من المحافظين الأوروبيين بشكل خاص أن يردوا بقوة على تصرفات أوربان، التي تشوه سمعة حركتهم السياسية بالكامل. ولكن يبدو أنهم عازمون على الاستمرار في التعامل مع أوربان بكل رِقة، حتى وهو يزدري الديمقراطية الليبرالية.

فبادئ ذي بدء، التزم رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبية المكلف جان كلود يونكر الصمت إزاء تصرفات أوربان. وفي الوقت نفسه، وجهت له أنجيلا ميركل، وهي السياسية الأكثر نفوذاً في الاتحاد الأوروبي، انتقادات متواضعة قائلة في مايو/أيار إنها «لا تتفق بكل تأكيد» مع كل سياساته بالضرورة، «ولا تتفق تماماً مع نبرته» اليقينية. وكأن هذه التصريحات لم تكن ضعيفة بالقدر الكافي، فإذا بها تسارع إلى تخفيفها بالتأكيد على أن هذا الفشل لم يكن مقتصراً على أوربان بشكل كامل.

ولكن رد الفعل الأكثر إشكالية جاء من حزب الشعب الأوروبي، الذي يشكل مظلة يمين الوسط التي ينتمي إليها حزب أوربان. ففي شهر إبريل/نيسان، أشاد جوزيف دول زعيم حزب الشعب الأوروبي آنذاك بالزعيم المجري لتجديده الثقة العامة في الحكومة بصدقه ونزاهته وإصلاحاته الاقتصادية «الجريئة».

وقد أقنعت هذه الاستجابة أوربان بأن التصرف كحاكم شعبوي مطلق في قلب أوروبا لا يشكل أي خطر سياسي، ومنحته الجرأة الكافية لتشديد حملته ضد الديمقراطية الليبرالية. والآن تتلخص الوسيلة الوحيدة لوقفه - وحماية القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، ناهيك عن احترام الاتحاد لذاته - في وضعه أمام خيار واضح: فإما أن يتصرف كرجل دولة ديمقراطي أو يصبح منبوذا.

ولأن ألمانيا هي الشريك التجاري الأكثر أهمية للمجر، فيتعين على ميركل أن تتقدم الهجوم، فتحشد جهود يونكر ورئيس حزب الشعب الأوروبي الجديد مانفريد ويبر خلف مجموعة من التدابير الصارمة التي تتسم بالمصداقية. ولابد أن يتضمن هذا، أولاً وقبل كل شيء، استبعاد حزب فايدز من فصيل حزب الشعب الأوروبي في البرلمان الأوروبي، على أن لا يعود إلا إذا غير أوربان مساره.

وثانيا، يتعين على ميركل أن توضح بما لا يدع مجالاً للشك أن أوربان سوف يواجه عقوبات صارمة إذا استمر على مساره الحالي. وكما اقترحت بريجيتا أولسون وزيرة شؤون الاتحاد الأوروبي في السويد، فلابد من حجب أموال الاتحاد الأوروبي - التي يوزعها أوربان على أنصاره. وعلاوة على ذلك، لابد من تنبيه أوربان إلى إمكانية تعليق حقوق تصويت المجر في الاتحاد الأوروبي، استناداً إلى المادة السابعة من المعاهدة المؤسسة للاتحاد، والتي تنص على فرض عقوبات في حالة وقوع «انتهاكات خطيرة ومستمرة» للقيم المشتركة.

وثالثا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعكف على إنشاء آليات أكثر فعالية لمراقبة الصحة الديمقراطية في البلدان الأعضاء. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين على زعماء الاتحاد الأوروبي أن يهتموا بتفصيل مبادرة سيادة القانون التي اقترحتها الدنمرك وألمانيا وفنلندا وهولندا في مايو/أيار الماضي. وعلى أقل تقدير، ينبغي لهم أن يكلفوا الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية بتقديم تقييم منتظم لحالة الديمقراطية والحقوق الأساسية في البلدان الأوروبية، وتفويض المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية باتخاذ تدابير تصحيحية ضد البلدان التي يأتي أداؤها سيئا.

وأخيرا، يتعين على البلدان الأوروبية، اقتداءً بمثال النرويج، أن تزيد من دعمها لمبادرات المجتمع المدني التي تتعرض لضغوط شديدة من قِبَل حكومة أوربان، وأن تعمل على إيجاد سبل مبتكرة لدعم وسائل الإعلام المستقلة. وفي حين تتغنى كل المنافذ الإعلامية العامة في المجر بلحن أوربان، فلابد أن تفكر إذاعة أوروبا الحرة وقناة دويتشه فيله في إطلاق قنوات بث موجهة باللغة المجرية.

إذا نجح أوربان في بناء دولة غير ليبرالية داخل الاتحاد الأوروبي، فقد يشجع هذا آخرين على أن يحذوا حذوه. ولكن من حسن الحظ أن الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء أقوى كثيراً من أن يعجزوا عن منع مثل هذه النتيجة. وكل المطلوب الآن هو الإرادة السياسية لمواجهة هذا الخطر الواضح الداهم الذي يفرضه أوربان على الديمقراطية.

لو كان أوربان نشطاً في ألمانيا، فإن المكتب الاتحادي لحماية الدستور كان ليطارده في الأرجح بسبب أنشطته غير الديمقراطية. وقد حان الوقت لكي تروج ألمانيا لمبدأها الدستوري المتمثل في دعم الديمقراطية القادرة على الدفاع عن نفسها في الاتحاد الأوروبي بأسره.

- ثورستن بينر/ مدير معهد السياسة العامة العالمية في برلين.

- فولفجانج راينك/ العميد المؤسس لكلية السياسة العامة في جامعة وسط أوروبا في بودابست، ورئيس معهد السياسة العامة العالمية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2014.

www.project-syndicate.org