03-09-2014

التطرُّف الأصغر والتطرُّف الأكبر

التطرُّف يوجد على مختلف المذاهب الدينية والأحزاب السياسية.. ويُقصد به الخروج عن أفكار التيار العام ومبادئه وأهدافه، أو انتهاك الثوابت السائدة في المجتمع؛ لأنه يحمل فكراً أيديولوجياً مختلفاً عن الآخرين. ففي الدول الغربية ذات التعدد الحزبي، عندما يؤيد بعض الأفراد..

والجماعات استبدال الديمقراطية بنظام آخر أكثر استبدادية، مثل الفاشية، تصفهم تلك الأحزاب الحاكمة بالجماعات المتطرفة. وعندما يصبح التطرف شديداً باتجاه اليمين أو اليسار يصبح حاملاً لأجندة سياسية واضحة المعالم. ولا يوجد حزب سياسي يمكن أن يسمي نفسه بالمتطرف، مثل اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف، وإنما التطرف وصفٌ يطلقه الآخرون على الأحزاب المتطرفة.

والتطرف مفهوم مركب، وشديد التعقيد. وفي المجتمع الإسلامي يمكن التعرف على المتطرفين من خلال مقارنتهم مع الوسطيين المعتدلين، والأكثر بعداً عن التطرف. والمتطرفون لديهم أجندات خاصة، ولا يوجد طائفة دينية يمكن أن تسمي نفسها بالمتطرفة. والتطرف لا يمكن اكتشافه إلا بعد أن تتضح أجندة المتطرفين، وتظهر معالمها في سلوكهم، الذي يتمثل أدناه في سلوك الكراهية والإقصاء (التطرف الأصغر)، من خلال التعبير اللغوي في الحوار والمناقشة، الذي يدل على الكراهية والإقصاء، مثل وصف الخصوم والمناوئين بأنهم ضالون مضلون بهدف قطع طريق الحوار معهم. وأقصاه السلوك العدواني (التطرف الأكبر)، ويتمثل في الفكر التكفيري الذي يستهدف نفوس الأبرياء بالقتل والاغتيال فيدخل في مرحلة الإخلال بالأمن في المجتمع. عندها يجب ألا تتوانى الدولة عن القبض على أصحاب الجهاد التكفيري ومحاكمتهم على أفكارهم التكفيرية وجرائمهم البشعة، مع وضعهم في برامج تعتني بتصحيح الفكر المنحرف، على غرار برنامج المناصحة للأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، الذي حقق نتائج مبهرة.

أما مكافحة التطرف الأصغر، المتمثل في الكراهية والإقصاء، فتقع مسؤوليتها على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في المجتمع. فالتطرف سلوك يظهر في المجتمع، ويصبح سمة بارزة وطاغية في التيار العام نتيجة لفشل المجتمع في رعاية قيمة التسامح الفكري بين أفراده وأحزابه السياسية وطوائفه الدينية؛ ولذلك يجب أن يكون المجتمع قادراً على سرعة رصد شعور الكراهية والإقصاء، وإنكاره في سلوك الأفراد والجماعات، مثل إنكار المنكر الذي يقوم به أهل الحسبة؛ لأنهم بمنزلة صمام الأمان من خطر الكراهية والإقصاء؛ كيلا يصبح المجتمع مهدداً بتحول التطرف الأصغر إلى التطرف الأكبر. والمجتمعات الإسلامية اليوم تعج بأمثلة عديدة من أشكال التطرف الديني والسياسي، بعضها وصل إلى أقصاه، مثل ذبح المسلم أخاه المسلم، واستباحة دمه؛ فانشغل الرأي العام في المجتمع بفظاعة الجرائم وشناعتها، وغفل عن القيام بأي مبادرات جادة نحو تنقية التيار العام من فكر الكراهية والإقصاء، الذي يمكن أن ينتشر بين أحزابه وطوائفه الدينية كالورم السرطاني في الجسم؛ ولذلك فإن مسؤولية مكافحة التطرف الأصغر تقع في الدرجة الأولى على المجتمع الذي غاب فيه مبدأ التسامح السياسي والديني؛ فنما بين أحزابه وطوائفه شعور الكراهية والإقصاء حتى وصل إلى أقصى حالات التطرف الذي يحمل أيديولوجية تكفير الآخرين تحت شعار الإسلام؛ ولذلك يجب على المجتمع أن يجري عمليات مستمرة من نقد الذات لتصحيح التيار العام، والقضاء على شعور الكراهية والإقصاء قبل أن تستفحل حالات التطرف التي تسبق الجهاد التكفيري الذي أصبح إرهاباً دولياً، فقامت السعودية بمسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي المتمثلة في تبرع خادم الحرمين الشريفين لتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت إشراف الأمم المتحدة، الذي كان له صدى واسع على مستوى العالم، أشاد به عبر وسائل الإعلام عدد من المتخصصين في أبحاث التطرف والإرهاب. وخلاصة الإشادة: «إن أفعال الدولة السعودية في مكافحة الإرهاب نشاهدها، ليس فقط في النجاحات التي تحققها على المستوى المحلي، وإنما أيضاً مساهماتها على المستوى العالمي. لكن عندما نقرأ ترجمة الأدعية الرمضانية والخطب الدينية الصادرة من بعض الأئمة والخطباء والدعاة في السعودية نقع في حيرة؛ فمن ناحية نجد هناك أفعال الدولة السعودية تتحدث عن نفسها في مكافحة التطرف والإرهاب، ومن ناحية أخرى هناك لغة دينية ترجمتها تدل على الكراية والإقصاء، ولا تتطابق مع مقاصد الدولة». وهنا تكمن أهمية نقد الذات والتقييم، الذي يجعل المجتمع يحمل لواء التسامح؛ فينسجم تماماً مع الاتجاه الرسمي للدولة.

الخلاصة:

إن التطرف الأصغر متمثلاً في الكراهية والإقصاء مرحلة سابقة على التطرف الأكبر متمثلاً في فكر الجهاد التكفيري. وتحقيق التطابق بين فكر المجتمع مع فكر الدولة التي تكافح جميع أشكال التطرف والإرهاب يتطلب من أهل الحسبة في المجتمع القيام بمبادرات ملموسة للقضاء على سرطان الكراهية والإقصاء في المجتمع.

khalid.alheji@gmail.com

Twitter@khalialheji

مقالات أخرى للكاتب