04-09-2014

حين يهزمُنا الوقت..

في إدارة الوقت يبرز « قانون باركنسن» مثبتًا أن الوقت وعاءٌ ظرفيٌ مجردٌ يمتدُّ وينكمشُ وَفقًا لما نشغلُه به متكئين على سعينا: جادًا أم خاملًا، ووعينا: أللوقت ثمنٌ أم لا، وشاء القانونُ أن يؤكد أن الوقت الطويل يعني الإنجاز المتأخر؛ فساعةٌ تكفي نشطًا لتنفيذ مهمةٍ»ما» هي عشر ساعاتٍ لدى متثاقل، بل إن النشطَ نفسه سيتباطأُ عطاؤُه إذا مُنح وقتًا فائضًا، وهو الداءُ الأولُ في الأجهزة البيروقراطيةِ التي يعتكف مسؤولوها خلف سياجاتها الوجاهيةِ فلا يدرون ما يدورُ ولا يتابعُون ما يُدار.

- كذا تصنعُ بنا الإجازةُ أفرادًا؛ فننامُ فوق ما نحتاج، ونسترخي دون أن نريد، ولا نحسبُ كما لا نلقى من يحاسب، ونقررُ أن نقرأَ كما اعتدنا فإذا الصفحةُ تستطيل، ونفكر أن نبحثَ فنتخيلُ المستحيل، ونستعجلُ فنؤجل، وندَّكرُ بعد التمطي أن الزمن فرَّ والملل استقرّ والشعور بالفراغِ سيطر، وحين نعود إلى العمل تترتب أوقاتًنا ونقضي شُغلَ يومٍ استغرق منا شهرا.

- يجيءُ تصديقُ هذا القانون في مشاهداتِنا ومن ذواتِنا؛ ففينا من وعد نفسه بمشروعاتٍ طموحةٍ خلال فترة الإجازة فانتهت الإجازةُ ولا إنجاز، وفينا من سوّفَ بعضها لما بعد التقاعد فقعد أو أُقعدَ دون نتاج، وعبرت الأيام والأعوامُ عجلى فتراكمت الحاجاتُ المؤجلةُ وتناقصت المستعجلة واستسلم المرءُ لقدره فاعتاد النوم نهارًا والسهر ليلًا وأزجى أحلامه خلف رِتاجِ وقته الضائع.

- الوقتُ المحدودُ أنفعُ والتخطيطُ لما نضعُ وما ندعُ أفضل، ويبقى البالُ المطمئنُّ مهمًا؛ فمن يستطيع التجردَ من آلامه وهو يرى أمةً تُساقُ إلى مقاصل الموت عبر جلاديها» الوطنيين» ونستعيذ بالله من شرِّ الفتن؛ ظاهرِها وباطنِها ومحياها ومماتها،ويلوحُ لنا صمودُ» غزة» فنوقنُ بنصر العزيزِ القدير.

- في الإجازةِ زرنا المقابر وغشِينا الأفراح ؛ دمعت عينٌ هناك وابتسمت شفةٌ هنا، وكذا نتقلبُ في الحياة أو تتقلبُ بنا، قرأنا التناقضات، وعشنا التصادمات، واختلطت الرؤى، والتبس الثابتُ بالمتغير، وتحسسنا رؤوسَنا؛ فهل نحن نحن ؟ وهل الدنيا هي الدنيا ؟ وهل تتبدل المبادئُ حين تهبُّ رياحُ التغيير ؟ وأين الحقيقةُ؟ وما دلالاتُ الصوت والصمت والتحليل والتعليل ؟ أفيكونُ الانكفاءُ حلًا والتجاهلُ سهلا ؟

- نعود إلى الوقت فنستعيد نظريةً قريبةً ذائعةً هي: ( 80/20 ) ونعلم أن «ثمانين» في المئة من أوقاتنا تُزجى في «عشرين» في المئة من التزاماتنا، ونرى في قانوني « باركنسن وباريتو» ما يفسرُ لنا كيف يضيعُ العمرُ بين اتساعِ الزمن ومحدودية الإنتاج.

- حول شخصِه ضاع وقتٌ وضاءَ آخر، وأنهى مسودةَ كتابٍ لكنه أجَّل آخر، وقرأ بعضًا وضاق عن بعض، وأدى واجبًا وقصَّر في واجبات، ولم يحجبه سفرٌ بل سهر، والظنُّ أنه غيرُ راضٍ وما الظنُّ أنه سيرضى.

-الوقتُ نسبةٌ وتناسب.

ibrturkia@gmail.com

t :@abohtoon

مقالات أخرى للكاتب