تنمية التفكير الإيجابي بإثارة التساؤلات نماء العقل وثمرته بالتفكير

محمد جمعة عبد الهادي موسى

أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان هو التفكير، الذي يعد عبادة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه لقوله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.. (سورة آل عمران، الآية 191).

إن إعطاء التقارير اللازمة للتأكيد على أن تعليم التفكير أصبح لازماً في هذا العصر صارت متوفرة؛ فالتقدم العلمي والتكنولوجي صار أسرع من التقدم العقلي بما لا يقاس، ولهذا أولى العديد من الباحثين اهتماماً كبيراً بالتفكير وباستخدام الطاقات الذهنية في تعليل ونقد الأحداث والربط بينها وتوظيفها التوظيف الصحيح؛ لنعيد لأمتنا الإسلامية نهضتها العلمية ونصبح منتجين للأفكار، بدلاً من تقليد الآخرين.

ومن المؤكد أن التفكير الجاد لا ينحصر في علاج المشكلات واتخاذ القرارات فقط بل قادر على أن يقود إلى النجاح في الحياة وتحقيق ما يطمح إليه الإنسان، فشحذ العقل بالتفكير النشط دافع قوي لاستنفار كافة الطاقات الكامنة للنهوض والتقدم، وبالتالي السعي نحو بلوغ الأهداف.

(1)

تنمية التفكير الإيجابي بإثارة التساؤلات

ويمكن أن نقرر أن أهم العوامل المعززة لتنمية التفكير الإيجابي المنتج الفعال هو إثارة التساؤلات حول أي موضوع، ليجعلها ذات معان، وبالتالي يسهل توظيفها في الواقع ومن ثم انتقال أثر التعلم؛ وبهذا فإن فتح الأذهان لوجود تساؤلات عديدة لشيء من الأشياء من شأنه أن ينمي عقولنا، فمعارفنا كلها ناتجة عن الأسئلة، وهي الوسيلة العقلية الأهم لدينا.

كذلك فإن التفكير الفاعل يعتمد على ما عندنا من قدرة على الاهتمام بما نفكر به أولاً، وعلى قدرتنا على التركيز وشد الانتباه ثانيا، وعلى ما عندنا من خبرة متنوعة، وسعة تجربة ثالثاً، وعلى قدرتنا على المفاضلة، وكل فرد منا يعتمد في تفكيره الخاص على ما عنده من مصادر خاصة لهذا الغرض، ومن هنا كان على كل منا دوما أن يعيد النظر فيما سبق له من خبرة وتجربة ليستخلص منها العبر، كما أن عليه أن يعمل على توحيد ما عنده من قدرات عقلية كالقدرة على الإبداع والمفاضلة وحسن الاختيار والنقد والرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة وبعد النظر وكذلك القدرة على الربط والاستنتاج والتحليل والتعليل، لتكون جميع هذه القدرات عنده كلاً متكاملاً يفيد منها في تفكيره، ليصل بذلك إلى أفضل النتائج وأبعدها أثراً.

(2)

نماء العقل وثمرته بالتفكير

علينا أن ندرك أن التفكير يقوم على أساس النشاط العقلي المنظم لكي يُستخدم للنظر إلى الأمور لإيجاد حلول لمعضلة ما، أو للإبداع في اتخاذ القرارات الفعّالة، أو لتحليل المعلومات والاستنتاج والتعليل بشكل سليم ومنظم بأفضل الطرق والأساليب، وبه يتم التخطيط والتطوير والابتكار، وغرس حب البحث والاستكشاف، والاستخدام الأمثل لطرح الأسئلة (كيف، ومتى، ولماذا) والإسهام في فتح الآفاق أمام المتعلم، والقدرة على توظيف المعلومات والحصول عليها من مصادر متنوعة، والاستفادة من نعمة العقل التي ميّز الله بها بني آدم على سائر المخلوقات فالعقل بلا تفكير كالجسد بلا روح، فنماء العقل وثمرته بالتفكير.

وعندما نقلب في أوراق ماضينا العريق سنجد أن هنالك كثير من فقهاء وعلماء المسلمين تطلعوا نحو تلاميذهم بالتفكير في حل مسائل فقهية تقوم على أساس ماذا يحدث لو مثلما فعل الشافعي في كثير من الأحيايين، وارتبطت القواعد الفقهية عندهم بحكم فتح الأبواب المغلقة بدلاً من أن يكسرها الآخرون؟.. وقد أعطى الدكتور سلمان بن فهد العودة تقريراً هاماً عن التصوير في الإسلام كإحدى المسائل الفقهية التي قرر فيها الكثير من الفقهاء حرمتها، ولكنه وجد حيثيات آخرى تجعله يفتح الأبواب المغلقة بالتفكير في حيثيات هذا الحكم الفقهي مدللاً بقوله «الفقيه عليه أن يفتح الأبواب المغلقة بدلاً من أن يكسرها الآخرون».

فقد وعى السلفُ المرونةَ العقليةَ والانفتاحَ الذهنيَّ فعُرف لبعضهم قولان أو أكثر في مسألةٍ علميةٍ محددة، ووعينا تنوعَ المتماثلين في قضيةٍ واحدةٍ قد تمتدُّ بين حرمةٍ مطلقةٍ وحلٍ مطلقٍ ولم يعب أحدٌ على أحد مثلما لم يرَ المستفتُون تناقضُاً من المستفتَين.

اختصَّ الفقهاءُ الأولون بهذا وتبعهم الآخِرون وفقَ ما نسميه اليومَ مرحليةَ الفكر؛ فلا أحدَ يستطيعُ الوقوفَ في محطةٍ لا يتحركُ قطارها إلا إذا بلغت رحلة الحياةِ منتهاها.

متغيراتُ الحياةِ وفيها العمرُ والعملُ والتجربةُ والوعيُ قابلةً للتبدلِ وعصيةً في الوقت ذاته على التلون التي تحكم مسيرةَ ذوي الهوى والغِوى ممن تختلف مواقفهم بناءً على مصالحهم المتصلة بالشخوصِ والأنظمةِ فيمدحون ما قدحوا حين يمتحون ويقدحون بما مدحوا عندما يُمنعون.

(3)

التفكير كمهارة وموهبة

وإذا كان التفكير موهبة ربانية من الله -عز وجل- إلا أن الإنسان يستطيع أن ينمي تلك الموهبة ويسهم في تطويرها وتنشيطها كي يستفيد من نعمة العقل بالتفكير السليم، فالتفكير عبارة عن مجموعة من المهارات من الممكن للفرد أن يكتسبها ويتقنها عن طريق التعلم والتدريب.

فمهارة التفكير بأنواعها لابد من غرسها وتعليمها لأبنائنا الطلاب منذ الصغر من خلال مراحل تعليمهم العام، إما بدمجها في جميع المواد الدراسية بأسلوب جذاب ومتقن، وبآلية علمية تمكن المعلم من تفعيل مهارات التفكير لدى الطالب للوصول للمعلومة والاستفادة منها -وهذا يتطلب إعداد المعلم لذلك- أو بتعليم مهارات التفكير كمادة مستقلة بمنهج متكامل يلازم الطالب طيلة مراحل تعليمه؛ فيتمكن من القدرة على التفكير بمهارة عالية مبنية على الأسس العلمية للتفكير، وبذلك نكون قد أحدثنا نقلة نوعية متميزة في التعليم.

ولنا أن نعلم أن أي خبرة نكتسبها، وأية تجربة نتعامل بها ونتفاعل معها تتبلور بالفكرة التي ارتسمت في أذهاننا عنها، فهي تبدأ من دواخل ذواتنا، وهي ثمرة تفكيرنا، وهو أمر يحدث ونحن نفكر به، ومهما كانت فكرتنا عنه، فإن هذا التفكير وهذه الفكرة هي التي تحدد إحساسنا تجاهه واستجابتنا له وتصرفنا إزاءه، فالمعلم يعامل طلبته، والآباء يعاملون أبناءهم طبقا للصورة، ومهما كانت الفكرة التي يحملها عنه، وبغض النظر عن مدى العدالة في تشكيله لهذه الصورة ومدى مطابقتها للحقيقة والواقع.. ومهما كان هناك من تشابه بين شخص وآخر في تفكيرهما، فلن تكون لهما الخبرة نفسها نظراً لاختلاف كل منهما عن الآخر في نوع تفكيره وأسلوبه في هذا التفكير، وكذلك إلى اختلاف الصورة التي غرست في ذهن كل منهما عنه.

إن قدرتنا على التفكير وفهمنا لما نقوم به ونعمله عن وعي وإيمان، هو بالنسبة لنا الأمر الأكثر أهمية لكل ما نقوم به من أعمال عقلية كانت أم عملية، والمشكلة لا تقتصر على مجرد القيام بالتفكير وإعمال العقل، بل تمتد لتشمل أثر هذا التفكير على كل مظهر من مظاهر حياتنا، وما نخوضه فيها من تجارب وما نكتسبه من خبرات، فنوع الحياة التي نحياها تتناسب مع نوع التفكير الذي نفكره ونقوم به كما أن تقديرنا لذواتنا والفكرة التي نحملها عن قدراتنا وما عندنا من خصائص وخبرات هو من مهام التفكير، وكذلك بالنسبة للشك فيما عندنا من قدرات وكفاءات.

(4)

مراكز التفكيروأهميتها

مراكز التفكير تمثل عقول تفكر بشكل إستراتيجي عميق في كل موضوع أو قضية وتقدم مشروع سياسات مقترحاً على الجهاز التنفيذي في الدولة مبنياً على منهجيات علمية وأسس مدروسة وآخذاً في الاعتبار بمتغيرات الموقف الداخلي وتداعيات الظروف الدولية ذات العلاقة بالموضوع.. ولهذا فإن قرارات السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية في بلد مثل الولايات المتحدة لا تأتي إلا من خلال مراكز التفكير الإستراتيجية التي تقدم مسودات مقترحة لمشروعات قرارات وطنية كبرى.

إن أهم ما تتميز به هذه المراكز هو وجودها الظاهر أمام الرأي العام المحلي والعالمي والعمل من خلال باحثين ومراكز متعاونة في سبيل بناء دراسات في موضوعات وطنية وإقليمية ودولية ذات أهمية للدولة والمجتمع.. وهذه الخاصية تتيح لها الانفتاح والانتشار والمصداقية والتحقق المباشر.. كما أن مثل هذه المراكز يمكن أن تطلق بالونات اختبار لمشروعات قرارات كبرى يتم اختبار تداعياتها قبل الشروع الفعلي في تبني مثل هذه القرارات.

(5)

مهارات التفكير والتعليم

يعتبر التعليم من أسمى الرسالات التي تشرف في حملها المعلم، ومع ذلك تعتبر من أشقها نظراً لما تتطلبه من جهد وعناء وصبر واحتساب. والتعليم كباقي مناشط الحياة مرة بالعديد من التجارب والدراسات سعياً للرقي بالإنسانية واستثماراً لمقدرات هذا الكون الفسيح.

فعندما نعلم أبناءنا الطلاب مستخدمين أساليب حديثة في التعليم مثل التفكير الناقد بحيث يطلب نقد فكرة معينة وتحديد إيجابياتها وسلبياتها أو بيت شعر أو غير ذلك. بهذا يصبح الطالب قادراً على التفريق بين الخطأ والصواب، ولديه القدرة في تمحيص الأمور، وعدم أخذها على علاتها أو التصديق في كل ما يقال أو يكتب بل كل ذلك يحتمل الخطأ والصواب إذا كان من مصدر غير موثوق به. كما أن هناك التفكير الابتكاري الذي يعني ابتكار أساليب وطرق شتى في أمور الحياة تؤدي إلى منافع أكثر أو توفير أكثر. إضافة إلى الممارسات العديدة في مجال التفكير كالعصف الذهني وتآلف الأشتات وغير ذلك كثير.

ووزارة التربية والتعليم أدركت أهمية تلك الأساليب فوجهت إلى تدريب المعلمين على تلك الأساليب الحديثة فبدأت البرامج التثقيفية حول مهارات التفكير وأساليبه، كما حورت بما يناسب كل تخصص فتجد مهارات التفكير في التربية الإسلامية ومهارات التفكير في العلوم ومهارات التفكير في التربية الفنية وكذلك باقي المواد. لا شك أن أثر ذلك سينعكس على أسلوب تربية أبنائنا سواء في تعليمهم وتحصيلهم الدراسي أو أسلوب تفكيرهم وتعاملهم، لكن ذلك يحتاج إلى وقت.

وما توفيقي إلا بالله،،،