السياسة الشرعية في تضعيف الأحاديث النبوية

قال البخاري رحمه الله: باب من خص بالعلم قوماً دون قوم، كراهية أن لا يفهموا وساق تحته أثر علي رضي الله عنه: «حدثوا الناس، بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله» وروى مسلم في مقدمة صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة» هذه النصوص تمثل منهجاً لا ينبغي أن يعزب عن طالب العلم والباحث والكاتب ونحوهم.

وفرق -في نظري- بين مجالس البحث والمناقشة والمناظرة والتعليم وبين ما يتلقاه عامة الناس من خلال كتاب يتداولونه بله ما تتناوله برامج الإذاعات والقنوات ومقالات الصحف ومواقع التواصل والمنتديات الإلكترونية ورسائل الجوالات و(الواتساب)، والتي هي موجهة لعامة الناس قبل الخاصة.

فإذا كانت بعض الأحاديث مما عرفه الناس وعملوا به وهو مع ذلك صحيح لدى طوائف من أهل العلم فلا أرى من السياسة الشرعية التشويش على الناس بتعريفهم بضعفه، إلا حين يتفق المحدثون على ضعفه، فلو كان كذلك فلا خلاف في التنبيه عليه، ولا سيما في حال كونه موضوعاً أو شديد الضعف.

فأما في الأحوال الأخرى فلا ينبغي -في نظري- مثل هذا التنبيه الذي يتداوله العامة، بل الأحرى أن يبقى في بحوث خاصة يرجع إليها المختصون في مظانها. ومن الأحوال التي لا ينبغي فيها نشر ضعف الحديث (للعامة وفق ما قدمت) ما يلي:

أولاً: في المسائل التي اشتهر العمل بها والحديث فيها قد صححه طائفة من أهل العلم من المتقدمين أو المتأخرين، ويتأكد الأمر حين يكون الحكم المستند لذلك الحديث قد قال به جمهور الفقهاء.

ثانياً: في فضائل الأعمال حيث نص أئمة كبار على الأخذ بالضعيف في فضائل الأعمال وليس المقال مجالاً للتوسع في هذه القضية، ولكن في كل حال فإن الأمر لا ينبغي -حتى عند من لا يرى هذا القول- أن يبالغ في الإنكار في فضيلة قد روي فيها حديث صححه بعض العلماء ولا سيما حين ينص كثير من العلماء على استحباب هذا العمل.

ثالثاً قد ينبه البعض على ضعف الحديث مع قوله به استناداً لعمل الصحابة رضي الله عنهم أو لغير ذلك، وهنا تأتي السياسة الشرعية فيما ينشر للعامة ويتداولونه ، فهم حين يقرأون التنبيه على ضعف الحديث، قد لا يدرك البعض منهم أن القائل أو الكاتب يقول بمقتضاه لمستندات أخرى، فيبقى محذور التشويش قائماً.

ولم أشأ في كل ما قدمت التمثيل ببعض أمثلة - وإن كانت حاضرة - مخافة أن يُظن قصدها فقط ؛ حيث الهدف الاتفاق على المبدأ .

أخيراً فإني أقول لعامة الناس لا تستعجلوا بتناقل الرسائل إلا أن ترجعوا إلى المختصين فيها فما يضيرك حين تأتيك رسالة لست عالماً بمحتواها أن ترسلها في الحال لبعض أهل العلم لتسألهم عنها كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: 83).

د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى - أستاذ الفقه بجامعة القصيم