11-09-2014

هل يمكن تغيير المناهج لأن صانع القرار يرى ذلك؟

مع بداية كل عام دراسي تشتد أزمة الأسئلة المتعلقة بالتعليم وإصلاحه ومناهجه ومدرسيه وتتوالى المقالات الصحفية المتنوعة وتحتد المناقشات في وسائل التواصل الاجتماعي حول ما يري كل فريق أنه يجب أن يكون في قلب التعليم من اهتمامات ومناهج وأنشطة وفعاليات إلخ؟

لكن السؤال الذي يطرح نفسه فعلا هو: من الذي يقرر المناهج المدرسية؟ وما هي مكانة العلوم؟ وماذا عن الفنون؟ وما عدد اللغات التي يجب أن يتعلمها الطلاب؟ وما عدد ساعات الرياضة المدرسية التي تتطلبها حاجات المتعلم الفعلية وما عدد ساعات الدين واللغة الأم كما تقررها الدراسات العلمية وتجارب الأمم الحديثة بعيدا عن الصراعات الوطنية والأيديولوجية؟

بالنسبة لنا محليا يجب أن نسأل أسئلة من نوع: لماذا تشكلت المناهج بهذا الشكل النمطي حتى تم الاقتناع بأنها لابد أن تكون كذلك؟ من قال إن وزن المواد الدينية أو اللغوية مثلا في الجدول الدراسي يجب أن يكون كذا لطلاب المرحلة الابتدائية أو المتوسطة وأن الطلاب لا يحتاجون إلى دراسة لغة غير لغتهم الأم وأن الرياضة البدنية هي حصة واحدة في الأسبوع لا تتجاوز 40 دقيقة؟

من قال إن التعليم يحدث عن طريق الاصطفاف في صفوف منظمة متتالية دون حركة وأن وجود أكثر من أربعين طالبا هو حل لصفوف المناطق المزدحمة والفقيرة؟ ما نوع التعليم الذي يتلقاه الطلاب في المناطق الفقيرة والنائية؟ وهل هو في قلب اهتمامات صانعي القرار؟

من قال إن التعلم يحدث من خلال تقسيمه إلى أجزاء صغيرة لا تتجاوز أربعين دقيقة لكل مادة ينتقل بعدها الطالب للمادة الأخرى بغض النظر إذا كان قد تمكن من ربطها مع بعضها كمفاهيم عامة قابلة للتطبيق ضمن حياته اليومية وتوسيع مفاهيمه العلمية وهو الهدف من التعليم، وكما يقول كين ربنسون مؤلف كتاب: مواهبنا وكيف تعمل المدرسة حقا على تدميرها: فلو أن الشركات قامت بتقسيم أعمالها إلى أجزاء صغيرة من أربعين إلى خمسين دقيقة ليرن الجرس بعد كل فترة كما نفعل مع المواد الدراسية في المدارس وكما نقسمها في الجداول الدراسية فسوف يؤدي ذلك إلى إفلاسها خلال أسبوع واحد!

أسئلة كبيرة تطرحها اليوم أنظمة التعليم كافة على نفسها حيث تشهد دول متقدمة منها بريطانيا وإيطاليا حركات إصلاح كبيرة ومستقلة في عدد كبير من مدارسها تعتمد على المعايير اللامركزية والاستقلالية التامة في المناهج وطرق التعليم. والهدف هو تقديم ما يحقق التعلم المتكامل ويحقق في ذات الوقت متعة المتعلم ورفاهيته وأمنه.

حتى عقود قريبة أكدت الدساتير الوطنية كافة على حق كل طفل في الذهاب إلى المدرسة.

اليوم لم يعد ذلك كافيا وكما أوضح ذلك التقرير الصادر من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة تحت عنوان: التعلم في إطار خطة التعليم والتنمية لما بعد 2015 الذي نص على أنه لا يكفي فقط أن تنص الدساتير على حق الطفل في الحصول على مقعد في المدرسة، بل حقه في أن يتعلم فعلا ما يحقق تطوره الانفعالي والاجتماعي ويمده بالمهارات الأساسية في شتى الميادين التي تضمن أن تساعده على التكامل وإيجاد حياة كريمة وعمل منتج.

هذا ما سيضمن أمن البشرية وتقدمها: حين نضمن عقلاً علمياً يمحص ما يقدم له وحين نضمن متعلما سعيدا ومقبلا على التعلم لأنه يريد أن يتعلم أو يكتشف شيئا جديدا وليس لأنه فقط ملزم أن يذهب للمدرسة.

اتجاهاتنا نحو المدرسة يجب أن تتغير من مكان إلزامي إلى مكان محبب يقدم التعلم والرفاهية والتنمية ولن يحدث ذلك عبر اتباع أطر جامدة أكل الدهر عليها وشرب من حيث تنظيم المواد الدراسية في الجداول بهذا الشكل التقليدي المفتعل وهذه البيروقراطية الإدارية الهائلة وأساليب التوظيف الحكومية التي تضمن الوظيفة حتى لمعلم لا يود أن يعلم أو إداري يختبئ وراء مكتبه في انتظار راتب آخر الشهر دون أن يشعر بالمسؤولية الوطنية عما يقدم لمن بين يديه من متعلمين.

العالم اليوم وخاصة في الصين وكوريا الجنوبية (وقبل ذلك كانت سنغافورة وفنلندا) يشهد ثورات ساحقة وتغيرات غير مسبوقة في طرق التدريس وتنظيم المواد التعليمية وبناء المناهج، ولذا من الضروري جدا إعادة تقييم رؤيتنا المحلية لتنظيم المواد في الجداول والوقت المعطي لها إذ لا يعقل في هذا الزمن ألا يحظى الطالب الذكر في مدرسته بغير حصة واحدة أسبوعية يتيمة لا تتجاوز أربعين دقيقة للرياضة البدنية، فيما تحرم منها الفتيات كلية لأسباب ثقافية. ولا يجوز أن يقضي الطالب أكثر من مائة دقيقة يوميا في حفظ مواد مكررة في حين لا يعرف معنى للفنون والمسرح والابتكار وتمازج الرياضيات مع الهندسة مع الكمبيوتر كما يفعل كل أطفال العالم فيما يسمي (ستيم).

لن تقوم لنا قائمة إذا لم ننتهج فلسفة جديدة للتعليم تضع مستقبل أجيالنا أمامها بدل الارتعاش من محاسبة الأطراف المؤدلجة عند اقتراح أي تغيير في مسلمات تربوية متخلفة وأعان الله صانع القرار على من سيس التعليم بدل تخصيصه للتعلم فعلا كما كانت وظيفته.

مقالات أخرى للكاتب