إنها كنوز منسية

(المناطق الصناعية) تحتاج إلى المزيد من الاهتمام بدلاً من (العشوائية).!

رداً على ما يُنشر في (الجزيرة) عن المدن الصناعية والمصانع المنتشرة في أنحاء المملكة، أقول: إن النمو المطرد الذي تعيشه المملكة يلقي بظلاله على كل مقومات الحياة في بنية تحتية إلى مواقع التسوق وجمال المشاريع على مختلف أنواعها وشمولية المنازل والأبراج والعمائر السكنية بلمسات الإبداع والطرازات الهندسية الملامسة لكل الأذواق لاختلاف أشكالها الخارجية وألوان المواد المستعملة في تشييدها، كما أن نهضة التنمية المستدامة قد شملت كل مرافق الحياة فيما يتعلق بالشوارع والميادين والطرق الزراعية والأنفاق والكباري، ويكمل تلك المقومات مشاريع إعمار البيئة المتمثلة في زراعة الميادين والجزر الوسطية في الشوارع والعناية بالمسطحات الخضراء بما يشمل زراعة الأشجار الحولية والمستديمة مثل أشجار النخيل.

بدأ دوران عجلة التطوير منذ أكثر من 60 عاماً أي من نهاية عهد المؤسس - طيب الله ثراه - إلى بداية حكم أبنائه الملوك: سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - كل واحد من هؤلاء الملوك تميز عهده بحقبة مختلفة من المشاريع التنموية إلى أن جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث جعل - أيده الله - استكمال مراحل التطوير في أولويات بداية عهده الميمون، وأعطى التوجيهات السامية بأن يكون توزيع المشاريع شاملاً لربوع الوطن دون تغيير، حيث شملت المشاريع العملاقة في عهده الزاهر توسعة الحرمين الشريفين كإنجاز لم يسبق له مثيل منذ تم بناء الكعبة المشرفة، وتم أيضاً بناء الجامعات وزيادة أعدادها لكل المحافظات وبنيت المراكز المالية التي قصد بها اكتناف شباب الوطن وأنشئت شبكة القطارات لأرجاء البلاد والمشاعر المقدسة، كما أن المطارات قد نالت نصيب الأسد من التطوير، وبالرغم من أن المملكة ما زالت في طور النمو إلا أن ما تم إنجازه من المشاريع خصوصاً في عهد الملك عبد الله يُعتبر مفخرة للدولة ولمواطنيها، ويمكن القول بأن المملكة في هذا العهد الزاهر تضاهي معظم الدول في سرعة التطور والنماء، وذلك بفضل الله ثم بفضل السياسة الحكيمة التي أفرزت الاستقرار السياسي، ومن خلال هذا الطرح أتشرف بأن أشيد بالتطور الهائل والتنظيم الدقيق والتوزيع الهندسي المدروس لمدينتي الجبيل ورابغ الصناعيتين، حقاً إنها عبارة عن حقول إبداع جميلة بنيت على أرض تعج بمئات المصانع ذات الإنتاج المختلف، وبالرغم من أن الجبيل مدينة صناعية 100% إلا أن ضيوفها السياح لا يملون من التجول فيها والتمتع بإمكانياتها السياحية الجاذبة، واستناداً إلى مقدمة هذه المقالة أود الإيضاح بأنه تقع في كل مدن وقرى المملكة مناطق صناعية نُفذت بطرق عشوائية لا يفصل بعضها البعض إلا ألواح الصفيح المذهل.

وكل المناطق الصناعية تفتقر إلى ما يلي:

- يندر أن يُوجد مجمع صناعي يستوفي الشروط الخاصة بالتخطيط السليم واكتمال الخدمات وتتوفر به سلامة المخارج والمداخل.

- كل الورش مشتبكة مع بعضها البعض بأوضاع غاب عنها الدفاع المدني لأنها تنذر بشمولية الحرائق - لا سمح الله - لأن معظم أرضيات الورش مبللة بالزيوت.

- معظم المناطق الصناعية المنفذة في الأحياء السكنية سيئة للغاية وتفتقر لأبسط الشروط الفنية والتوزيع المكاني المدروس.

- لا يوجد مواقف للسيارات داخل المناطق الصناعية والمرافق التي لا تزال أراضي فضاء استغلت لوقوف المركبات التالفة والمصدومة ومعظمها مطمور بالنفايات.

- 95% من المناطق الصناعية تخلو من المسطحات الخضراء والتشجير بسبب سوء التخطيط وشح مواقع الخدمات مثل الأرصفة والميادين وغيرها.

- دور العبادة (المساجد) تتسخ أرضياتها ومداخلها بالزيوت، أما دورات المياه فيها فهي عبارة عن بؤر للجراثيم ولها روائح نتنة بسبب انعدام الصيانة والنظافة.

- تخلو معظم المناطق الصناعية من اللوحات الإرشادية ولوحات المحلات تغلب على أحجامها وألوانها العشوائية لسوء تركيبها.

- لا يُوجد في المناطق الصناعية مساكن للعاملين والمتوفر هو عبارة عن غرف بعضها بُني داخل الورش وبعضها بجانبها وتُعتبر مساكن سيئة جداً ومزدحمة بالعمالة.

- معظم وسائل السلامة في كل الورش لا يعمل منها إلا القليل.

- أسقف الورش عبارة عن صفيح والغالبية العظمى منها غير معزولة حرارياً.

- أكثر من 80% من الورش بدون تكييف.. والعاملون فيها تحت لهيب حرارة الصيف والبرودة الشديدة في الشتاء.

ومما لا شك فيه أن الورش المتخصصة في الميكانيكا والسمكرة والدهان يمكن عدّها على الأصابع، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا استولى الوافدون على هذه الأماكن المربحة؟.. لأن تسعيرات السمكرة والميكانيكا وأي أعطال في المركبات تخضع لأمزجة مديري الورش (الأسعار غير مقننة ومن غير رقابة).

قبل أن أختم هذه المقالة أوجه ندائي لصاحب السمو الملكي وزير البلديات ومعالي وزير العمل ومعالي وزير التجارة ومدير الدفاع المدني.

لأن مقام وزارة البلديات تمثّلها الأمانات والبلديات فمن واجبها إعادة النظر في تلك المواقع لمعالجة سلبياتها لكي يستفيد منها المواطن بيسر وسهولة.

أما وزارة العمل فتقع عليها مسؤولية تقصي حقيقة الآلاف من العمال المتواجدين في المناطق الصناعية وبحاجة ماسة للتثقيف والتعليم بدءاً من ارتداء الأزياء الخاصة بالمهن وانتهاء من السلامة من الأمراض المعدية وكذلك تقصي حقيقة استيعاب أبناء الوطن في تلك الأعمال.

أما وزارة التجارة فتقع عليها مسؤولية تشكيل لجان من ذوي الاختصاص لدراسة تقنين أسعار قطع غيار المركبات وتفنيد أجرة إصلاح كل تلف على حدة، والواجب المكمل لهذا الواجب هو معرفة أن تجارة الزيوت الخاصة بالمحركات بها غش في الأسعار وتلاعب بنوعيات وأصناف الزيوت المستوردة والمحلية.

أما دور الدفاع المدني فهو أوضح من الشمس في وضح النهار وكل المسؤولين في الدفاع المدني على دراية كاملة بسلبيات الورش وعدم مطابقتها لمواصفات السلامة.

ختاماً.. أملي أن أرى صورة للمناطق الصناعية أجمل مما هي عليه الآن بأن يُعاد النظر في تخطيطها وتخللها الشوارع الفسيحة والميادين والمسطحات الخضراء والإنارة المميزة وتكتمل بطرازات معمارية ذات نماذج جميلة وبها لمسات من الطبيعة الصحراوية.. دعواتي بالتوفيق لكل من يهتم بما طرحته، والله ولي التوفيق.

إبراهيم بن محمد السياري - الرياض