14-09-2014

البلديات تقود التطوير الفكري

عناصر التحديث الفكري والإداري عديدة، ومنها زيادة المشاركة والتمثيل الديمقراطي، تبني رؤية إدارية لا مركزية، تبني نماذج متنوعة للاستثمار والتخصيص، دعم النشاط الثقافي والفني، زيادة الفعاليات والنشاطات المجتمعية، وغير ذلك.

السؤال هو: من هي الجهة التي يفترض بها قيادة تلك المبادرات والعناصر، ونقل الممارسة فيها إلى فضاءات متقدمة ومتطورة؟

بالتأكيد الإجابة ليس جهة واحدة، ولكن لو أخذنا الجوانب الثقافية وجانب تعليم مفهوم المشاركة والانتخاب والتمثيل فتكون الإجابة بأن قطاعات التعليم بشقيه العام والعالي يفترض أن يكون لها السبق في ذلك كجهات مؤسسة ومعلمة للممارسة الانتخابية الأولى وللممارسة الثقافية الأولى، تليها الجهات الثقافية في المجال الثقافي والجهات الإدارية في جانب ترسيخ مفهوم المشاركة الشعبية والعامة.

ما نلحظه أن الجهة التي قادت هذا المجال بشكل تطبيقي هي وزارة الشؤون البلدية والقروية بتأسيسها وإشرافها على أبرز انتخابات شعبية حديثة بالمملكة، ونجاحها الكبير في تنظيمها انتخابات المجالس البلدية أو مجالس البلديات، كما أفضل تسميتها. لم تسر في النسق ذاته من التطوير المتعلق بالمشاركة والانتخابات الجهات الإدارية المماثلة، وأبرزها الشورى ومجالس المناطق، ولم تسهم الجهات التعليمية بالمساهمة في ترسيخ ثقافة المشاركة والانتخاب والاختيار، بل ربما أن بعض تلك الجهات ساهمت في عرقلة تجربة المجالس البلدية.

في الجانب الثقافي والفني نجد أن أمانات المدن هي من أصبح يتبنى المهرجانات والنشاطات المسرحية وما في حكمها، في ظل غياب وتواضع كبير من لدن الجهات الثقافية المتخصصة والجهات التعليمية الجامعية والأولية.

في الجانب الاجتماعي هناك وزارة الشؤون الاجتماعية والرئاسة العامة لرعاية الشباب وغيرها، لم تقدم مبادرات عملية مثل ما تقدمه أمانات المدن في تأسيس مراكز الأحياء وملاعب الأحياء ومهرجانات الأسر المنتجة، وغيرها من النشاطات الاجتماعية...

أما في الجانب الإداري فوزارة البلديات لديها النموذج اللامركزي الأقدم والأنجـح في المملكة، المتمثل في أمانات المدن التي تحظى بميزانيات مستقلة وصلاحيات تنفيذية مستقلة بشكل كبير، ويبقى دور الوزارة تنسيقياً وإشرافياً بالذات في المدن الكبرى. وهو نموذج إداري أتساءل: لماذا لا يتم استنساخه في الصحة والتعليم وغيرهما من الجوانب الخدمية بالذات؟

في مجال الاستثمار والتخصيص، أمانات المدن لديها نماذجها في الاستثمار والتأجير والتخصيص المختلفة، وهي نماذج متنوعة، بعضها يكاد يكون نموذجاً لو سلم من بعض البيروقراطية التي تفرضها جهات أخرى.

لست أتحدث عن الجوانب التنفيذية لأمانات وبلديات المدن؛ فهي معنية بجوانب الحياة اليومية للمواطن، ولها إيجابياتها وسلبياتها التي تختلف من مدينة إلى أخرى، لكنني أتحدث عن الجوانب الفكرية، فأجد أن هذه الوزارة تسبق الآخرين، وبدلاً من أن يقلدها البعض يحاول عرقلة جهودها التحديثية المتنوعة. بل أطرح السؤال: ألا تستحي بعض الجهات الأقرب للقيام بالمهام أعلاه، من كون أمانات المدن تتقدم عليها في هذا الشأن؟ وأضيف سؤالاً آخر: هل وزاراتنا تسير وفق نسق متجانس في المبادرات التطويرية أم أن كل وزارة تعمل بمعزل عن الأخرى، بمبادراتها وفلسفتها الإدارية والفكرية التي تخصها؟

البعض قد يرى ما أشرت إليه أعلاه جهداً مكملاً، وليس أساسياً، لمهام الأمانات المتمثلة في العناية بالمدن من شوارع وإضاءة وأسواق. أرجو أن لا يقود ذلك إلى تملل وزارة البلديات وأمانات المدن من هذه المهام التي تقوم بها، بحجة أنها خارج نطاق اختصاصها الأساسي ووجود جهات أخرى متخصصة فيها.

شكراً وزارة البلديات، شكراً أمانات المدن، على مبادراتكم التي تتجاوز الاهتمام بالأسمنت والأسفلت في الشارع إلى الاهتمام بالإنسان والإدارة والفكر والتطوير.

malkhazim@hotmail.com

لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm

مقالات أخرى للكاتب