15-09-2014

هل سيحدث ما تمناه الإرهاب منذ بداياته؟

أدبيات الإرهاب الإعلامية قسّمت منذ البداية العالم إلى فساطيط، وإلى فسيطيطات متعددة داخل كل فسطاط. باستعمال آلية التقسيم نفسها لا بد من الاعتراف أن الفسطاط الإسلامي العربي بكامله حالياً هو الأسوأ بناءً ونظافةً وتأثيثاً، ويحتاج إلى إعادة تأهيل.

لطول الانتظار وكثافة غيوم التجهيل المتعمد، لا يتوقع حدوث إعادة التأهيل من الداخل، ولا بد من مساعدات خارجية ليحدث ذلك. الأبخرة الفاسدة القاتلة التي يبثها الفسطاط العربي إلى الفساطيط الأخرى تعدت حدود التحمل، في نفس الوقت الذي لا يختار هذا لنفسه من الفساطيط الأخرى سوى الإضافات السيئة. عناصر التلوث الرئيسة التي يجب على الفسطاط الإسلامي العربي التخلص منها، ليرتاح ويريح العالم هي الإرهاب الديني المذهبي وتسلط الأنظمة على الأموال والأفكار والأرواح. بهذه العقلية المنفتحة على التطور والتعايش السلمي مع الفساطيط الأخرى أكتب هذا المقال.

الحاجة إلى الدعم الخارجي للتخلص من الإرهاب وإلى المساعدة من دول غير عربية وغير مسلمة وغير سنيّة قد تبدو ضرورية في المنظور القصير القريب، لكنها قد تكون ضارة على المدى البعيد الطويل. الأفضل والأوجب أن يكون مشروع التحالف ضد الإرهاب عربياً إسلامياً سنياً فقط، أقله على المستوى الرسمي الإعلامي أمام العالم.

لو عدنا قليلاً إلى الوراء سوف نجد أنه على الأقل منذ تأسيس ما سُميت الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والصليبيين عام 1998م، كان أهم الأهداف المعلنة تقسيم العالم إلى فساطيط، واحدٌ منها فقط مسلم والأخرى كافرة، وبدء الجهاد بالنفر القليل لسحب جيوش الفساطيط الكافرة إلى ديار المسلمين، فيتم الاحتكاك المباشر مع أمة الإسلام ويعلن نفير الجهاد العام والشامل.

أثبتت الأيام أن ذلك التفكير كان نوعاً مجنوناً من التخريف والهلوسات المذهبية. فسطاط الإسلام بكامله لم يتحرك حين تواجدت جيوش أربعين دولة على عدة أراضٍ إسلامية وعربية لغزو العراق، كما أنه لم يتحرك أيضاً أثناء الغزوات الصهيونية المتكررة على غزة الفقيرة المعزولة، والاكتفاء بمتابعة سكان الفسطاط الإسلامي للتمثيل الوحشي الهمجي بأهل غزة على شاشات التلفزيون.

في هذه الأيام يتم التحشيد لتحالف عالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة أكثر الدول الغربية وعدة دول إقليمية عربية وإسلامية، ولكن هذه المرة باحتمال كبير أن تكون الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضمن المشاركين لشنّ الحرب على الإرهاب.

المشروع حتى الآن يشوبه الغموض في أهدافه واحتمالاته النهائية. العنصر الغائب الذي يحتاج إلى شرح مقنع لكسب الجماهير هو أن الاستهداف، كما يبدو سوف يتركز على نوع واحد من أنواع الإرهاب المنتشرة في العالم العربي والإسلامي، هو الإرهاب الداعشي دون غيره.

صحيح أن إرهاب داعش المتستر خلف رايات ما يُسمى بالدولة الإسلامية يُعتبر حالياً أشد أنواع الإرهاب كفراً وإفساداً وقبحاً، ويجب أن يختفي من وجه الأرض، لكن بشرط الإجابة على بعض التساؤلات لإقناع الجماهير وطمأنتها. من المؤكد أن الجماهير الإسلامية السنيّة بالذات والعربية على وجه الخصوص تفكر بالطريقة التالية:

فظاعـات وتعديات داعش يتم تقديمها على مدار الساعة بالصوت والصورة على كل وسائل الإعلام المتاحة، لإشهاد العالم عليها، لكن الناس يعرفون أيضاً بالاستقراء الذاتي وتبادل المعلومات العنكبوتية، أن أنواع الإرهاب الأخرى مثل ما يحصل في العراق وسوريا ضد المكون العربي السنّي لا تقل عنفاً وتوحشاً وكفراً عن ممارسات داعش. الاختلاف الوحيد هو أنها ليست سنيّة ولا عربية وإنما طائفية مذهبية عنصرية، تعمل بتخطيط وتمويل وإدارة حكومية وعسكرية معلن عنها ولا لبس فيها.

هنا يكون مصدر الشك الجماهيري في أهداف التحالف الجديد مسألة الاختيار، اختيار نوع واحد من أنواع الإرهاب المتماثلة في الشراسة، وبتحالف واضح ومعلن مع أنواع الإرهاب الأخرى وإشراكها في المجهود التحالفي ضمن الدول التي تديره وتموله وتتبنى أدبياته وأهدافه. جميع الحركات الإرهابية المحسوبة على إيران، من حزب الله وجيش بدر وعصائب أهل الحق، إلى أصغر مكونات التحشيد الشعبي التي جمعها نوري المالكي، بالإضافة إلى البيشمركة الكردية مدعوة للمشاركة في الحرب ضد عدو مجهول المصدر والهوية والأهداف والتمويل، وأعطي مثلما يُعطى ابن الحرام اسماً لا يدعيه وانتماءً لم يعلنه: الإرهاب العربي السنّي.

أؤكد أن الجماهير الإسلامية السنيّة عربية وغير عربية لا بد أن تتساءل، ما هي داعش ومن أين أتت ولماذا إلصاق التهمة بالمكون الأكبر والأهم للمسلمين؟.. لماذا لا تعلن الحرب على كل أنواع الإرهاب الأخرى، وهل سوف تشارك إسرائيل ونظام بشار الأسد ولو بصيغة غير معلنه في هذا التحالف؟.

السؤال الأهم، كيف سوف يتم التخلص من داعش مع الاحتفاظ بأرواح وممتلكات التجمعات العربية السنيّة التي تنتشر خلايا داعش السرطانية بداخلها، وهي جماهير لا حول لها ولا قوة ومسلوبة الإرادة؟. النتائج الكارثية المحتملة على السكان السنّة التي أخضعها داعش بالقوة وبقطع الرؤوس والإعدامات الجماعية وهدم المساجد ما الذي سوف يحدث لها؟.

المؤكد هو أن هذا ما يتمناه ويخطط له الإرهاب المذهبي منذ أيامه الأولى، والمؤكد أيضاً أن إيران تلقفت هذا التفكير المختل واستفادت منه على حد سواء مع صهاينة اليهود. الإرهاب المذهبي السنّي كان يحلم منذ البداية بجر الفساطيط الكافرة إلى المواجهة الكبرى، والإرهاب الإيراني والصهيوني يتلهف إلى الضربة النهائية للمكون العربي في الإسلام.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب