15-09-2014

إنهم يهدمون

العنوان أعلاه مستنسخ من عنوان سابق للأستاذ محمد العبدي في مقاله الشهير (إنهم يشربون)، الذي كان من أجرأ المواضيع التي طُرحت في الساحة الرياضية على الإطلاق. أقول: إنهم يهدمون، وأقصد ثلة ممن ابتُلي بهم الوسط الرياضي، ممن دلفوا إلى الإعلام من الأبواب الخلفية، وأصبحوا كتَّاباً ومنظرين، وهم في حقيقة الأمر مجرد مشجعين متعصبين، قادتهم المصادفة أو المحسوبية إلى تصدر المشهد في زمن الغفلة.

هؤلاء وإن كانوا قلة بقياس ما هو موجود في الساحة الإعلامية الرياضية إلا أن وجودهم الدائم والمتكرر في وسائل الإعلام الرياضي المقروء والمرئي يشكّل خطراً على الشارع الرياضي؛ بما يحملونه من بضاعة رديئة، لا (تخدم) بقدر ما (تهدم). فهم لا يسعون إلى بناء مجتمع واعٍ ومثقف ثقافة رياضية عالية، يسودها التسامح والمحبة والإخاء والاستمتاع بالرياضة كوسيلة ترفيه، بل هدفهم (التجييش) و(التأزيم)، وإيجاد قضايا خلافية من خلال آرائهم المتشنجة؛ ما تسبب في تأجيج الشارع الرياضي. والغريب أن مثل تلك النماذج تجد من يفتح لها الأبواب من خلال بعض البرامج الحوارية التي هي أقرب إلى حوار الطرشان؛ إذ تبدأ وتنتهي في عراك لفظي من خلال هجوم مركّز ودفاع مستميت، تم إعداده سلفاً. ومن المؤكد أن اختيار البعض من تلك الفئة للظهور الإعلامي يتم بناءً على دراسة من قِبل بعض مسؤولي تلك البرامج، من خلال عمل توازنات في الانتماء والميول وجلب أشد العناصر تطرفاً وتعصباً بقصد الإثارة المفتعلة، ولفت الانتباه إلى مثل تلك البرامج، على الرغم من وجود عدد كبير من الإعلاميين المتزنين الذين يدركون معنى الكلمة، ويحترمون شرف المهنة، ويملكون القدرة على إثراء مثل تلك البرامج بالطرح العقلاني المتوازن والمفيد.

والغريب أن هناك من يطلق على مثل تلك النماذج (الناقد الحصري)، وهو في الحقيقة (حاقد حصري). أما النقد فهو بريء منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.. فأفكار هؤلاء وتوجهاتهم محصورة في زاوية ضيقة، يدورون في فلكها، ولا يستطيعون تجاوزها. ولعل ما حصل من «ردح» حيال نقل مباراة نجران والهلال إلى الرياض، وتأجيل مباراة الفتح مع الهلال، هو نموذج لما يدور في أذهان أولئك المتعصبين، ودليل على ما تشعر به تلك الفئة المأزومة التي تمثل حلف (نات)، والتي لا يروق لها وصول الزعيم إلى تلك المرحلة القريبة من التتويج في البطولة الآسيوية التي ربما تسقط آخر المعاقل التي يتمترسون خلفها، والتي تحمل شعار (صعبة وقوية) التي أطلقوها ورددها الرعاع من أتباعهم؛ لأن سقوطها يمثل انهيار آخر حصون تلك الجبهة.

ومع ذلك، فمثل تلك البرامج لا تمثل الأغلبية؛ فهناك برامج تختلف نهجاً ومضموناً عما ذكرناه من حيث الطرح الراقي والحوار الهادئ بعيداً عن افتعال الإثارة الممجوجة والاستفزاز الممنهج، وهي برامج جاذبة، وتحظى بمتابعة من قِبل شريحة كبيرة من المجتمع الرياضي؛ لأنها تدرك معنى الرسالة السامية التي يحملها الإعلام.

أما المتحدث الرسمي لاتحاد الكرة، الذي قال «لن نرضخ للهلال، فزمن الاستثناءات قد ولى»، ونقول له إنه لم ولن يولي، وربما يعاود نشاطه قريباً؛ إذ كان حاضراً قبل أشهر حينما كان نادي الاتحاد يشارك الهلال في المسابقة، وكان حاضراً في أحاديث المسؤول الأول في اتحاد الكرة بالفترة نفسها، لكن بمجرد خروج نادي الاتحاد وبقاء الهلال وحيداً تبخرت الوعود، وتوارى الدعم، واختلفت النغمة بحيث «تكاثرت الظباء على خراش». وهذا ما ينسف تهمة الدلال المزعوم التي يرددها البعض من تلك (الجوقة) دون أن يكون لها وجود، فهي مثل (بيض الصعو) الذي يُذكر ولا يُشاف.

عموماً، يجب أن يدرك المتحدث الرسمي لاتحاد الكرة ومن يمثله أنه يجب تغيير تلك النغمة، فالاستثناءات لم يعد لها مكان في ظل نظام الاحتراف الحالي، فالأندية لم تعد كالسابق، فهي الآن تدفع مئات الملايين على اللاعبين والمدربين سنوياً؛ لذا فمن الواجب تنظيم العلاقة بين الأندية والجهات المسؤولة وفق نظام يكفل الحقوق، ويضمن الواجبات للأطراف المعنية بعيداً عن الاستثناءات والتسهيلات والفزعة التي لا تخدم سوى مثيري الفتنة من المحتقنين والمأزومين.

مقالات أخرى للكاتب