21-09-2014

الفرق بين الصندوق والبرميل !

حينما تابعتُ تصويت الاسكتلنديين على مشروع الانفصال عن المملكة المتحدة تساءلتُ: لماذا كبرت أحلام الانفصال، والتفتت في هذا القرن، على خلاف أحلام الوحدة والتكتل في القرن الماضي؟ لماذا تبحث اسكتلندا عن الاستقلال عن بريطانيا، كما هو شأن الكتالونيين في إسبانيا، أو كما يطالب الكشميريون في الهند، والأكراد في تركيا والعراق، وكذلك في إيران حيث قسم من الشعب يحلم بالانفصال؟

بدلاً من أن نتهم أحداً بالعبث بهذا الكوكب، ونتساءل عمن له مصلحة بتفتيت الدول، وتحويل العالم إلى دويلات صغيرة، علينا أن نتأمل في الأمر قليلاً: ما الذي يجعل قسماً من سكان دولة يعيشون في منطقة يبحثون هذا الانفصال؟ ففي اسكتلندا يتوافر النفط في بحر الشمال، وكثافة السكان فيها أقل من بريطانيا، بمعنى أنها قد تستفيد اقتصادياً في هذا الجانب من الاستقلال، بينما ستخسر من جوانب أخرى، أبرزها على المستوى السياسي، فمكانة بريطانيا السياسية المهمة عالمياً، واستخدامها حق النقض في مجلس الأمن، قد يفقدها الاسكتلنديون، مع أنهم يرون تدخلات المملكة المتحدة في شؤون العالم أمراً غير مُجدٍ لهم!

حينما رفض الاسكتلنديون الانفصال عن بريطانيا بفارق بسيط في التصويت فهم مارسوا الديمقراطية في أبهى صورها، وفي كلتا الحالتين، سواء انفصلوا أم بقوا، ستبقى العلاقات جيدة بين بلدين جارين. حتى في حالة الانفصال، ستكون العلاقات الثنائية بين البلدين محترمة. لكن، ماذا عن دولة كالسودان، على سبيل المثال، عاشت حروباً طاحنة ومستمرة بين الجنوب الغني بالنفط والشمال مركز الحكم، وحتى بعد الانفصال لم تزل العلاقات متوترة، وستبقى كذلك؟!

هناك مسافة شاسعة بين دولة فكرت في الاستقلال بعد ثلاثمائة عام من الوحدة، فلجأت إلى الصناديق، وتركت الشعب يحدد مصيره بنفسه، وبين دولة لجأت إلى الدبابات والقذائف والعصابات المسلحة. فالعنف ورفض وسائل الديمقراطية المختلفة لا يخلّفان إلا مزيداً من العنف والدمار. أما منح الشعوب حرياتها، ومكانتها المستحقة، ووضع تقرير مصيرها في يدها، وفي شؤونها كافة، فسينتج في النهاية مجتمعات متقدمة وواعية، وسيخلف استقراراً سياسياً طويل الأجل.

ولعل الصفعة المؤلمة أن جاء هذا التصويت الراقي، تصويت انفصال دولة عن دولة أخرى، بل دولة عظمى، في وقت فشلت فيه الدول العربية في إنجاح ثوراتها الشعبية بأقل قدر ممكن من الخسائر.. ها هي العراق التي نجت من ديكتاتور مستبد، قتل شعبه، وورط بلاده في حروب خاسرة، وأدخلها في مراهقات سياسية فاشلة، لتقع من بعده في حضن ديكتاتور آخر، عزز فيها الصراع الطائفي، في كل قطاعات الدولة، ولم يتزحزح عن السلطة إلا بعدما ترك بلاده للمجهول. ها هي سوريا التي كافح شعبها العظيم لأكثر من ثلاث سنوات، لم يجنِ خلالها إلا الموت والتهجير، وتحويل مساكنه وبلاده كلها إلى خراب، تحتاج معه إلى ثلاثين عاماً من أجل إعادة إعمارها من جديد. والنماذج كثيرة على فشلنا في التغيير السلمي، في شؤون حياتنا كافة!

فارق كبير بين سياستين، إحداهما تتبنى القوة والقمع، برمي الشعب ببراميل البارود المتفجرة، وأخرى تتبنى التصويت، وتضع الصناديق أمام الأصوات، بدلاً من البراميل التي تكمم الأصوات.

مقالات أخرى للكاتب