23-09-2014

يومٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا يَوْمَنا الوطَنِيْ..!

نتلقّاك أيها اليوم الأغر، على رصيف الانتظار ألقاً في دياجي الظُّلم.

نتخطّى إليك زرافات، ووحداناً. متعثّرين بركام وطننا العربي، المنقوض غزله من بعد قوة أنكاثاً، بأيدي أبنائه العققة، ومكائد أعدائه الحَقَدَة.

نتحامل إليك على انكساراتنا، لنقرأ في محياك تعويذة الخلاص، والإخلاص. كلمة التوحيد المتألقة فوق رمز القوة، مستلهمين منها وحدة الكلمة، والصف، والهدف.

لم تكن أيها اليوم الأبلج شعاراً فارغاً، نساق بالسياط للهتاف له، وبه. ولا صوتاً أجوفاً يتسلّل إلينا من غياهب العبث، ليملأ فراغنا بفراغ ضريع، لا يسمن، ولا يغني من جوع.

إنك وثيقة الانتصار على الضياع، والتنابز، والتدابر، والتناحر، والأثرة.

إنك انتصار الحق على الباطل، والرشد على التيه، والقوة على الضعف.

إنك تاريخ التضحية، والفداء، والوفاء، والشهامة.

إنك اليوم الذي تخطى به الملك عبد العزيز، ورجالُه إلى عتبات التاريخ، يحملون الإنسان، والإرث، وما أهمله التاريخ، ليكون حاضر القرارات المصيرية.

لقد كنا قبلك [تيميين ] يُقْضى الأمر بغيابنا، ولا نُسْتأْمر، ونحن حضور.

بمنجزك وقف الملك عبدالعزيز أمام [ روزفلت] و[تشرشل ] على ظهر [المحروسة] جنباً إلى جنب، لتداول الأوضاع العالمية، بندية، وتكافؤ.

وبمنجزك فجّر الله كنوز الأرض، ليكون الإنسان السعودي كريماً، مُنْعِماً، متفضلاً، على كل كبدٍ رطبة.

وبمنجزك شع نور العلم، وتلاحقت مفردات الحضارة، والمدنية.

وبمنجزك انتهى التموج السكاني، والاقتتال على الموارد، والمراعي، وأُنْشِئت الهجر، التي تحوَّلت إلى مدن آهلة بالسكان، مليئة بالمرافق والخدمات.

كم أنت عظيم أيها اليوم. لقد كنت لحظة التحول من معركة التكوين، إلى معركة البناء، ومنعطف العودة من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر. جهاد البناء للإنسان، وبناء الإنسان. ليكون التكافؤ بين الموْطِن، والوطن.

وطن العروبة، ومنطلق الإسلام، ومأرز الإيمان، وقبلة الأمة المليارية، ومثوى الجسد الطاهر.

وطن المساجد، والمآذن، والجامعات، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحكم بما أنزل الله.

والمواطن الذي يحفظ الساقة، ويُحْكم تماسك الجبهة الداخلية، ويخيب ظن المرجفين في الأرض.

وطنٌ بهذه السمات، والإمكانيات، لابد أن يكون لمواطنٍ كفءٍ، يتلقى الراية باليمين، ويأخذها بحقها، لا يفرط بشبر من الأرض، ولا بقيمة من القيم.

تكون قامته بقامة الوطن، وطموحاته بطموحات قادة الوطن، يدرأ عن وحدته الإقليمية، والفكرية غوائل الفتن، ولا عبرة لمن شَذَّ عن جادة الصوب.

لقد عُدْتَ يا يومنا المجيد، وإنسانك في اللهب، ولا يحترق، تهتز من تحت قدميه أرض العروبة، كأنها جان، وتحتكم حلقات الفتن من حوله، كأنها غول. ولسان حاله يردد:

حَبْلُ الفَجِيْعةِ مُلْتَفٌّ عَلَى عُنُقِي

مَنْ ذا يُعاتِبُ مَشْنُوقاً إذا اضْطَربا

الأمة العربية الغارقة في الوحل، جِسْمٌ نحن أحد أعضائه، وكيف لا نتداعى لمرضه بالسهر، والحمَّى.

لقد شغلتنا أوضاع أمتنا عن استقبالك، بما يليق بمكانتك. وألهتنا مقترفات المضلين عن الأنس بك، فلتكن عبقاً نقياً نستنشق نسماته في أجواء التلوث.

وكيف لا ننهض بما أنت أهل له، وفيك هذا الخير العميم، الذي أجراه الله على يد قادة هذا الوطن، ليكون حجة لنا، أو علينا.

لقد عاد الملك [عبدالعزيز] - رحمه الله - من منفاه في [الكويت]، وليس في يده مال عريض، ولا سلاح مرهب، ولكنه عاد يحمل قِيَما معنوية : سمعة أسرته، ومشروعية فعله . ولسان حاله يردد:-

لَوْلَا الْعُلَى لَمْ تَجُبْ بِي مَا أجُوبُ بِهَا

وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلَا جَرْدَاءُ قَـيْدُودُ

ومن ثم استقبلتك البلاد استقبال الفاتحين.

أيها اليوم المجيد، نستقرئ بملامحك محيا آبائنا، وأجدادنا الذين هبوا لنصرة الموحد، وأرخصوا في سبيل الحق أموالهم، وأنفسهم، فأنجزوا هذا الكيان، الذي أصبح أمانة في أعناقنا، بكل ما يعج به من فعل حضاري.

ومن العقوق، ونكران الجميل أن نُفَرِّط بمنجزك، أو أن نكون سماعين لكذب الوعود، وزائف الأقوال، أكَّالين للطعم المشَبَّع بالسُّموم، متخاذلين عن حماية وطن أظلته راية التوحيد، وشمخت فيه بيوت الله، ومقدساته.

يا يومنا المجيد، هل نستطيع باستحضارك أن نتقمّص عزمات الرجال، الذين صنعوك، وصنعوا من خلالك هذا الكيان العظيم.

إنك وثيقة عز. وترنيمة مجد. ونفحات إباء.

فهل في تقليب صفحاتك عبره ؟.

وهل في استقراء منجزاتك مُحَفِّز ؟.

إنك إضاءة في تاريخ أمتنا، نَفُكُّ فيك الاختناق. ونشد فيك العضد. ونُمَنِّي فيك الأنفس.

فهل تتلبث فينا ساعة من نهار، لننسى في عبقك منغصات الواقع، ونخفي في جوانحك أشباح الخوف؟.

وهل تنساب في أعصابنا المنهكة القلقة كالخدر، لنستأنف بعد الصحو حياتاً سوية ؟.

أم نظل نتساءل كما (المتنبي):-

عِيْدٌ بأية حالٍ عُدْتَ يا عِيْدُ

بما مَضَى أَمْ بِأمرٍ فِيْك تَجدْيدُ

أمَّا الأحِبَّةُ فالبيْدَاءُ دُونَهمُ

فَلَيتَ دُونَكَ بِيْداً دُونَها بِيدُ

لقد أقصت البيدُ أَحِبَّة المتنبي. وأقصت الفتن العمياء في وطننا العربي الجريح بواعث الأنس، والاطمئنان بفرحة لقائك.

فإلى الله وحده نجأر بالشكوى، وإليه وحده تصعد نداءات الاستغاثة.

فلم يبق في جسم وطننا العربي مكان لمزيد من السهام، حتى لقد تكسرت النصال على النصال. وحتى تمتمت أشلاء وطننا العربي من تحت ركام المصائب متسائلة:-

أَبِنْتَ الدَّهْر عِنْدِي كُلُّ بِنْتٍ

فكيفَ خَلُصْتِ أَنْتِ مِنَ الزِّحام

يا يوم انتصارنا على الفرقة، والشتات، والجوع، والفقر، والجهل، والمرض سنرقب عودتك في كل عام، وكلنا أمل، وثقة، وتفاؤل. فعسى أن تعود علينا أعواماً عديدة، وأمتنا العربية، تتعافى عاماً بعد عام، حتى تنعم بالرخاء، والأمن، والاستقرار، والوفاق، والسيادة. متغلبة على محنها وإحنها، متحاملة على آلامها، مستفيدة من عثراتها، مستصرخة ضمائر أبنائها، شاكية من مآسيها:-

وطَنِي طَالَ بُكائِي

والأسى مما عَرَاكا

أَتُرَىَ تَصْفُو سَمائِي

وَكَما أهْوى أَرَاكا

حفظ الله لنا ديننا الذي فيه عصمة أمرنا، من تحريف الضالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين.

وحفظ لنا أرضنا التي فيها معاشنا من الحور بعد الكور، ومن الشدة بعد الرخاء، ومن الغور بعد الفور.

وحفظ قادتنا من بطانة السوء، وقالة السوء، ومضلات الفتن.

وحفظ شبابنا من دعاة الضلال، ومواطن الفتن، وغلو الاعتقاد.

وحفظ علماءنا من الصمت، والكسل، وأشْياع الفتنة.

Dr.howimalhassan@gmail.com

مقالات أخرى للكاتب