84 عاماً.. صنعت الفرق

مرور 40 عاماً على تأسيس الهيئة الملكية .. في ذكرى اليوم الوطني للمملكة

ونحن نحتفل بيومنا الوطني في الذكرى الرابعة والثمانين لتأسيس هذه البلاد علي يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه- الذي أسس وأبناؤه من بعده لنهضة تاريخية ونقلة حضارية تقودها مملكتنا الغالية في المنطقة العربية، وتشهد أوج عزها في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه-، فإننا نحتفل بمناسبة أخرى تتزامن مع هذه الذكرى العظيمة، حيث تحتفل الهيئة الملكية للجبيل وينبع بمرور أربعين عاماً على تأسيسها، ولتأتي هاتان المناسبتان ونحن على أعتاب بداية الخطة الخمسية العاشرة للتنمية (2015 - 2019م) والتي تؤكد النهج والتخطيط السليمين التي قامت عليهما هذه البلاد. لقد ارتبط يومنا الوطني والاحتفال بأربعينية الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وقرب إصدار الخطة الخمسية العاشرة للتنمية القادمة للمملكة بالكثير من المعاني التي لا يمكن اختصارها في أسطر معدودات نظراً لما تحمله من مفاهيم استراتيجية بعيدة المدى لهذه البلاد، والتي نهجت أسلوباً علمياً للتخطيط والتنفيذ والالتزام بالمحافظة على القيم وعلى الموروث الإنساني والحضاري.

إن الهيئة الملكية للجبيل وينبع وما حققته من منجزات خلال الأربعة عقود الماضية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك نجاح استراتيجية الخطط الخمسية للتنمية للمملكة والتي واكبتها مسيرة الهيئة الملكية منذ الخطة الأولى وحتى الخطة التاسعة، حيث كان لتلك الخطط دور بارز في رسم مسار الأجهزة التنفيذية بالدولة ومن ضمنها الهيئة الملكية للجبيل وينبع.

لقد هدفت خطط التنمية منذ بداياتها للمضي قدماً في بناء التجهيزات الأساسية وتنويع مصادر الدخل للدولة، ودعم نمو المناطق وإيجاد فرص العمل وتقليل الاعتماد على النفط الخام في الناتج المحلي الإجمالي، وقد كان من مخرجات هذه الخطط التركيز على الصناعات الهيدروكربونية بشكل عام والصناعات التحويلية بصفة خاصة، حيث نرى في الوقت الراهن التزايد المستمر لدعم الصناعات التحويلية. كل هذه الجهود والخطط والأفكار التي انتهجتها الدولة في وضع خططها الخمسية، أثمرت اقتصاداً قوياً ومتماسكاً بحيث أصبح هذا الاقتصاد يمتلك مقومات قل نظيرها في دول العالم، ومن هذه المقومات:

- وفرة الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة على اختلاف أنواعها

- موقع جغرافي استراتيجي متميز بين الشرق والغرب

- استقرار سياسي وأمني

- استثمارات ضخمة في البنى التحتية والتجهيزات الأساسية وفي قطاع التعليم

- استمرار وثبات في النمو الاقتصادي في ظل الأزمات المالية العالمية

لقد وفرت هذه المقومات ولا تزال مناخاً استثمارياً واعداً وجاذباً للعديد من الفرص وهذا ما يدعونا إلى توحيد الجهود كشركاء في التنمية الصناعية للاستفادة منها وتفعيلها خاصة وأنه على الرغم من كل ما تحقق من إنجازات ونجاحات على مستوى التجهيزات الأساسية والبنى التحتية خلال الخطط الخمسية الماضية، إلا أنه لايزال أمامنا الكثير، خاصة إذا ما علمنا بأن قطاع إنتاج النفط لا يزال يستحوذ على حوالي نصف الناتج المحلي للدولة (48%). ويستحوذ قطاع الخدمات على حوالي ثلث الناتج الإجمالي (34%) وتتوزع (8%) على قطاعي البناء والزراعة، بينما مساهمة قطاع الصناعة لا تتعدى الـ (10%). في حين تصل هذه النسبة الى (20%) في عدد من الدول النامية مثل الأرجنتين وفنزويلا وكوريا الجنوبية وتايلند وماليزيا، وما يزيد على (40%) في الدول المتقدمة.

ولأن الهيئة الملكية تجربة فريدة في مسيرة التنمية والخطط الخمسية بالمملكة العربية السعودية كان لابد من تسليط الضوء على توجهات الدولة التي عكستها في تلك الخطط وما حققته الهيئة من إنجازات في مسيرتها منذ تأسيسها ومدى انسجام هذا الإنجازات مع محددات ومخرجات الخطط الخمسية للتنمية.

أولاً: على صعيد ما تم تحقيقه: تمكنت الهيئة الملكية من تشييد صرحين صناعيين عملاقين أحدهما للصناعات البتروكيماوية (اللافلزية) في مدينتي الجبيل وينبع والأخر للصناعات التعدينية (الفلزية) في مدينة رأس الخير.

ونتج عن تشييد هذين الصرحين في المدن الثلاث والتي استطاعت أن تجذب 250 ألف مواطن ومقيم للعيش بها، العديد من المنجزات منها على سبيل المثال لا الحصر 524 مصنعاً، يعمل بها ما يربو على 170 ألف عامل وموظف، وبحجم استثمارات يزيد على 900 مليار ريال. وأصبحت ما تنتجه تلك المصانع يشكل (71%) من إجمالي الصادرات الصناعية للمملكة و(85%) من الصناعات غير النفطية، وهذا ما جعل المملكة العربية السعودية تحتل الصدارة ليس على المستوى العربي والإقليمي بل والعالمي، وأصبحت المملكة تحتل المرتبة العاشرة عالمياً في إنتاج الصناعات البتروكيماوية، بينما أصبحت مدن الهيئة تسهم بحوالي (12%) من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة

ثانياً: على صعيد طبيعة الأداء: يمكن فهم طبيعة أداء الهيئة الملكية من خلال أربعة مراحل مترابطة في مسيرتها على النحو التالي:

- مرحلة إنشاء التجهيزات الأساسية

- مرحلة التشغيل والصيانة وإدارة المدن

- مرحلة التوسع وتعميم التجربة

- مرحلة تسخير التقنية العالية والتميز في الأداء

وقد خاضت الهيئة الملكية في المراحل الثلاث الأولى تجربة فريدة ناجحة في تخطيط وإنشاء التجهيزات الأساسية والإدارة الشاملة للمدن الصناعية وإدارة المشاريع العملاقة وقطعت شوطاً كبيراً في تهيئة البنية التحتية الملائمة لقيام الصناعات التحويلية باعتبارها أهم قطاعات الصناعات المعرفية بما تقدمه من قيمة مضافة عالية للاقتصاد الوطني ، وتعزيز هذه الصناعات لتكون منافساً قوياً من خلال تكاملها وتعظيم قيمة منتجاتها والاستفادة القصوى من المميزات التي يتمتع بها اقتصادنا الوطني لخلق فرص عمل مستمرة للموطنين وتوطين التقنية والمعرفة في المملكة العربية السعودية وبما يضمن الاستدامة لمنتجاتنا الصناعية وتطوير مناطق المملكة والمساهمة في الناتج الاجمالي بأضعاف ما هو عليه الآن.

وكون الهيئة الملكية ومنذ تأسيسها وهي تستشرف أفاق المستقبل كما رسمته قيادة هذه البلاد فإن الهيئة الملكية تنظر الى المرحلة الرابعة (بعد مرحلة بناء التجهيزات ومرحلة التشغيل وادارة المدن ومرحلة التوسع ونقل التجربة) بعين التفاؤل والأمل في أن تحقق قفزة نوعية كبيرة في مسيرة إنجازاتها لتكون هذه المرحلة جديدة بكل المعايير ولتواكب في أدائها عصر المعرفة والتقنية العالية والتميز في الأداء، كما ستشهد بداية هذه المرحلة اطلاق العديد من المبادرات لتكثيف الجهود لبدء ورشة عمل حقيقية مع الجهات المعنية ومع الشركاء بما يحقق الوصول لصناعات تحويلية منافسة عالمياً تقوم على الإبداع والابتكار، وتكون أداة أساسية في تحويل الموارد الوطنية إلى ثروة مستدامة.

ثالثاً: بالنسبة الى مدى انسجام أداء الهيئة مع محددات ومخرجات الخطط الخمسية:

فان المتتبع لمسيرة الهيئة الملكية يجد أن أداءها قد جاء متطابقاً ومنسجماً مع ما حددته الخطط الخمسية للتنمية، وبالتالي يمكن القول بأن الهيئة الملكية قد حققت نجاحاً كبيراً لإستراتيجية الدولة في مجال الصناعات وتنويع مصادر الدخل ودعم نمو المناطق وإيجاد فرص العمل وتقليل الاعتماد على النفط الخام في الناتج المحلي الإجمالي.

وهذه النجاحات التي حققتها الهيئة الملكية لم تكن لتتم لولا وجود عدد من العوامل التي أسهمت في هذا النجاح ومن هذه العوامل:

- الرؤية الثاقبة للحكومة حين قررت قبل أربعة عقود بناء قاعدتين للصناعات البتروكيماوية والاستفادة من الغاز المصاحب لاستخراج النفط. واختيار مدينة الجبيل الصناعية على الساحل الشرقي ومدينة ينبع الصناعية على الساحل الغربي لتؤكد عمق الرؤية وبعد النظر.

- طبيعة وخصوصية مرسوم التأسيس الذي أعطى الهيئة الملكية الاستقلالية المالية والإدارية مما منحها الكثير من المرونة اللازمة للمضي في هذا المشروع العملاق بعيداً عن البيروقراطية.

- أما العامل الأكثر تأثيراً على نجاح تجربة ومسيرة الهيئة الملكية للجبيل وينبع هو الدعم اللامحدود الذي حظيت به الهيئة الملكية من قيادة هذه البلاد واهتمامهم الشخصي بها ابتداء من الملك فيصل والملك خالد والملك فهد رحمهم الله جمعيا، وما وجدته وتجده الهيئة من اهتمام كبير ومتابعة مستمرة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - أيده الله.

إن ما تحقق من نجاحات خلال العقود الأربعة الماضية يضع على كاهل الهيئة الملكية أعباءً إضافية وذلك في اتجاهين:

الاتجاه الأول، هو الحفاظ على ما تحقق من منجزات، والاتجاه الثاني هو التأسيس على تلك النجاحات والتقدم الى المستقبل بخطى ثابتة ومدروسة حيث وضعت الهيئة الملكية خططتها الاستراتيجية حتى 2025م للوصول الى الأهداف التالية:

- التوسع أفقياً (داخل وخارج المدن الصناعية) وعمودياً (من حيث نوعية الاستثمارات الصناعية)

- أن تكون المساهم الرئيس في اقتصاد المملكة (الناتج المحلي الإجمالي)

- أن تصبح الخيار الأفضل للمستثمرين في القطاعات الصناعية الهيدروكربونية على مستوى المنطقة والاقليم

- أن تصبح الخيار الأفضل للعاملين على المستوى الوطني. وبقدر ما نفخر بما تحقق من انجازات فإننا في الهيئة الملكية للجبيل وينبع نعتقد بأن تلك المنجزات ما تزال دون مستوى الطموحات وبأن أمامنا تحديات كبيرة لبلوغ ما نصبوا إليه في قطاع الصناعة عموماً وفي مجال الصناعات التحويلية بشكل خاص والتي لن تتأتى إلا بتكثيف الجهود للمحافظة على ما تحقق من منجز والاستفادة مما لدينا من مقومات اقتصادية، لا سيما وأن اقتصاد العولمة (الذي نحن جزء منه) يفرض علينا تحقيق المزيد من الميزات التنافسية للوصول الى تنمية صناعية وطنية مستدامة.

وسوف نواصل في الهيئة الملكية مهمة الاستثمار في بناء الانسان حيث تضمنت الخطة الاستراتيجية للهيئة أهدافاً طويلة وقصيرة المدى لجذب الكوادر المؤهلة وتوطينها بالمدن الصناعية من خلال تبني برامج طموحة لتأهيل وإحلال الكوادر السعودية في كافة الشركات العاملة في مدنها الصناعية. كما ستواصل الهيئة زيادة القدرة الاستيعابية للكليات الصناعية والمعاهد التقنية بالإضافة للكليات الجامعية في المدينتين الصناعيتين.

كما ستعمل الهيئة على تعزيز وتنمية البيئة من خلال إعطاء المراقبة البيئية المزيد من الاهتمام وحث الشركات على استخدام أحدث التقنيات للتقليل من انتاج النفايات الصناعية اضافة الى التركيز على تدوير النفايات الصناعية عوضاً عن معالجة تلك النفايات.

كما ستواصل الهيئة الملكية العمل مع الجهات المعنية بالدولة لدعم القطاع الخاص وتوجيهه إلى الصناعات التحويلية الواعدة وذلك ضمن الخطة الاستراتيجية للهيئة الملكية حتى العام 2025م والتي من المتوقع أن ترفع مساهمة الهيئة بالدخل الإجمالي الى مستويات غير مسبوقة. إضافة إلى أنها ستعمل مع شركائها الاستراتيجيين لمواجهة تزايد الطلب على الطاقة في عدة مسارات الأول: ترشيد استهلاك الطاقة عبر استخدام تقنيات حديثة مثل التبريد المشترك والمباني الخضراء أو الذكية والمسار الثاني: اتباع أسلوب تدوير النفايات الصناعية والتي ينتج عنها مادة الهيدروجين والكهرباء باستخدام التقنيات الحديثة مثل مفاعلات البلازما والمسار الثالث: استخدام تقنيات الطاقة الكهروضوئية والمسار الرابع: التركيز على الصناعات التحويلية.

ختاماً، أتقدم بالتهنئة الخالصة لمولاي خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد على اليوم الوطني لمملكتنا الغالية، كما أتقدم لهم بالشكر على ما يولونه للهيئة الملكية للجبيل وينبع من اهتمام ومتابعة مستمرة جعلت الهيئة تصل إلى ما وصلت إليه، كما أتوجه بالتهنئة والشكر للجهات الحكومية ذات العلاقة على جهودهم وتعاونهم، والشكر موصول إلى شركائنا في التنمية والى كافة منسوبي الهيئة الملكية.

سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود - رئيس الهيئة الملكية للجبيل وينبع