04-10-2014

السلاح البيولوجي كخيار إستراتيجي للمنظمات الإرهابية

تحقيق التنمية المستدامة والأمن الوطني الشامل من أبرز التحديات التي تواجه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. ويشكل الإرهاب (بصفة عامة) مهدداً حقيقياً للتنمية بمفهومها الشامل، فضلاً عن الإخلال بالأمن والاستقرار. وإذا كان الإرهاب التقليدي قد قض مضاجع الحكومات

والشعوب في كل دول العالم. فإن هناك أنواعا أخرى من الإرهاب تعد أعظم تهديداً وأعمق خطراً. ذلك لأنها أكثر توظيفاً لمعطيات التقدم العلمي والتطور التقني. ولعل من أبرز هذه الأنواع وأكثرها تهديداً الإرهاب البيولوجي، الذي لا يقتصر أثره على الإنسان بل يمتد إلى الحيوان والنبات والأرض. وقد أصبح وصوله إلى أيدي الإرهابيين أمراً سهلاً في ظل تنامي المنظمات الإرهابية واستحواذها على عناصر متخصصة في المجالات البيولوجية.

ومع جسامة هذا الخطر الإرهابي الداهم والآثار غير المحدودة الناجمة عن استخدام وسائله المختلفة، فإن معظم المدن العربية -خاصة ذات الكثافة السكانية العالية التي تتصف بانتشار الأحياء العشوائية القديمة - تعاني من تراكمات سلبية كعدم فاعلية أجهزة التخطيط في تحسين وتطوير النظام العمراني فيها. ناهيك عن ضيق الشوارع وكثرة تعرجاتها وتقاطعاتها وعدم تناسقها، وسوء تنفيذ الميادين الرئيسة. إضافة إلى التصاق المباني وتعدد طوابقها، وعدم مواءمة الارتدادات لطبيعة النظام العمراني. وهذا كله يجعلها هدفاً لعمليات الإرهاب البيولوجي في ظل عدم توافر المخابئ والملاجئ وأماكن الإيواء ناهيك عن عدم وجود الطرق الملائمة لعمليات الإخلاء.

علم البيولوجيا في تطور وتقدم مستمر يتنامى بشكل مذهل في جوانب الحياة الأساسية، الذي أصبح يطالعنا بأبحاث ودراسات تزيد من قدرة النباتات والحيوانات على زيادة الإنتاج، وظهرت دراسات الاستنساخ وعلم الجينات والتقنية الوراثية. وقد بدأت البيولوجيا الجزئية Moleculer biology وعلمه التوأم الجينات الجزيئية في أواخر الأربعينات من القرن الماضي على يد مجموعة من علماء البيولوجيا الفيزيائيين الذين تحولوا إلى بيولوجيين، وقد استهدفوا من ذلك البحث عن أسلوب جديد للتغلب على المشكلات الأساسية في للحياة. ولقد اتجهت وجهة نظر علماء الكيمياء الحيوية إلى أن القضاء على النظم المعقدة يتم عن طريق تفكيكها وتحليل كل الأجزاء بمنتهى الحرص بلغة الكيمياء الحيوية.

نلاحظ أن السلاح البيولوجي سلاح إرهابي أكثر من أنه سلاح للحروب العادية؛ حيث لا يحقق الغرض العسكري المطلوب؛ فهو صعب التصويب نحو هدف محدد، وهو قابل للانتشار، مما يعرض المهاجم والمدافع لنفس الخطر، كما يمتد مفعوله لفترة زمنية طويلة، مما يعمل على إعاقة المعتدي من احتلال الأرض نظراً لتلوثها.

ولقد اجتاحت العالم منذ بداية القرن العشرين موجة متزايدة من أعمال العنف والإرهاب؛ باستخدام بكتيريا الجمرة الخبيثة، تعرض لها آلاف الأبرياء في مختلف دول العالم، وتطور الإرهاب على مر السنين من عمليات شبه فردية ذات آثار محدودة، إلى ما نراه الآن من عمليات منظمة قد تشترك فيها أكثر من منظمة وجماعة إرهابية، مهددة حياة الأبرياء بالقتل والتدمير.

لم تكد الألفية الثالثة تشرق على العالم، حتى رددت وكالة الأنباء الإنجليزية إشاعة مفادها أن إسرائيل تعمل جاهدة على إنتاج أسلحة بيولوجية متخصصة في إلحاق الضرر بالسكان العرب الذين يحملون جينات وراثية خاصة بهم، وهكذا ظهرت أسلحة بيولوجية للتطهير العرقي. ومن هنا تظهر الاتجاهات الحديثة في مجال الهندسة الوراثية وعلم الجينات الذي يعمل على تعديل الخلايا وتحديد صفة محددة لعنصر بشري معين والعمل على تخصيص بكتيريا تستطيع التفاعل مع تلك الصفة والتأثير فيها. وهذا يشكل مجالا للتسابق بين مراكز الأبحاث والمختبرات لإحراز مزيد من التقدم في هذا الجانب.

ويذهب البعض الى انه من الممكن أن يتم إنتاج منتج بيولوجي أو جيني يدمر جنسا معينا من البشر دون غيره وذلك يتم بعد دراسة عميقة لعادات وتقاليد المجتمع أو هذا الجنس، فإذا تم التعرف على عادة ما يقبل عليها هذا الشعب دون غيره أمكن تسخير العلم لتوجيه ضربة بيولوجية من خلال هذه العادات.. فعلى سبيل المثال وليس الحصر إذا كان قوماً اعتادوا شرب البابونج ولا تقوم بلادهم بزراعة البابونج أمكن هندسة هذا النبات عن طريقة الهندسة الوراثية الأمر الذي يسفر عنه أن يتم إصابة هؤلاء القوم بالعقم أو الإعياء أو الموت على سبيل المثال. ودول العالم المتقدم التي تمتلك التقنية تحتفظ بالكثير من أنواع الأسلحة البيولوجية التي تعتبرها أحد مقومات أسلحتها الاستراتيجية. وهنا العديد من الدول مثل كوريا، والصين، والعراق، وإيران، وإسرائيل، تنافس في تطوير هذه الأسلحة باعتبارها أحد مقومات التوازن الاستراتيجي إقليميا ودولياً، وأداة من أدوات فرض النفوذ والسيطرة الإقليمية من أجل التسليم بثقل الدولة في محيطها الإقليمي. وفرض نوع من الهيمنة وتسيير المصالح انطلاقاً من التلويح بمقدرتها العسكرية للتأثير على دول الجوار وبسط نوع من الهيمنة الإقليمية.

ولإيجاد نوع من التوازن في منطقة الشرق الأوسط (المنطقة الاستراتيجية الساخنة) فإن الدول العربية بحاجة إلى رسم استراتيجية تكنولوجية جديدة ترسخ فيها مبادئ التعاون التقني وتترجم إلى واقع تطبيقي بإنشاء مركز عربي للدراسات التكنولوجية أو جامعة تكنولوجية عربية تفعل الدراسات العلمية المتخصصة في المجال، وتعمل على توطين التقنية وتشكل ورقة ضغط على بعض دول المحور البيولوجي المحيطة بالوطن العربي. إضافة إلى تحقيقها لتوازن استراتيجي يبطن في طياته التقنية ويعكس استراتيجية أمنية وعسكرية بعيدة المدى. بحيث يمكن أن تكسب الدول العربية نوعا من القوة العسكرية التي تهب لها هيبة قد فقدت ولا طريق لعودتها إلا عبر بوابة التقنية.

هذا هو المدخل التقني الذي قد يحجم الإرهاب البيولوجي ويجعل من القوة سلاحا ليكبح جماح هذا النوع من الإرهاب ويحد من نشاط المنظمات الإرهابية ويعيق عمليات دعاة الإرهاب وأنصاره ومنفذيه. والعمل سوياً لحماية الحياة والبيئة والسلام في الوطن العربي عامة ودول الخليج خاصة.

alfaidi1@hotmail.com

- باحث في مجال الفكر الإستراتيجي

مقالات أخرى للكاتب