07-10-2014

أيُّكُم محمد؟

تأمّل معي هذا الحديث الصحيح. روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن: أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (بينما نحن جلوسٌ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في المسجدِ، دخل رجلٌ على جَمَلٍ، فأناخه في المسجدِ ثم عَقَلَهُ، ثم قال لهم: أَيُّكم مُحَمَّدٌ؟ والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مُتَّكِئٌ بين ظَهْرَانِيهِم، فقلنا: هذا الرجلُ الأبيضُ المُتَّكِئُ. فقال له الرجلُ: ابنُ عبدِ المُطَّلِبِ؟ فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: قد أَجَبْتُكَ. فقال الرجلُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: إني سائِلُكَ فمُشَدِّدٌ عليك في المسألةِ، فلا تَجِدْ عَلَيَّ في نفسِكَ. فقال: سَلْ عما بَدَا لك. فقال: أسألُكَ بربِّكَ وربِّ مَن قَبلَكَ، آللهُ أرسلَكَ إلى الناسِ كلِّهِم؟ فقال: اللهم نعم. قال: أَنْشُدُكَ باللهِ، آللهُ أمَرَكَ أن نُصَلِّيَ الصلواتِ الخَمْسَ في اليومِ والليلةِ؟ قال: اللهم نعم. قال أَنْشُدُكَ باللهِ، آللهُ أمَرَكَ أن نصومَ هذا الشهرَ من السنةِ؟ قال: اللهم نعم. قال: أَنْشُدُكَ باللهِ، آللهُ أمَرَكَ أن تأخذَ هذه الصدقةَ من أغنيائِنا فتَقْسِمَها على فقرائِنا؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: اللهم نعم. فقال الرجلُ: آمَنْتُ بما جِئْتَ به، وأنَا رسولُ مَن ورائِي من قومي، وأنَا ضِمَامُ بنُ ثَعْلبةَ، أخو بني سعدِ بنِ بكرٍ). انتهى.

هذا النص يدلّنا على أنّ الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لم يكن يتعمّد أن يتميّز عن الآخرين من قومه، لا بلباس، ولا بأبهة، ولا بطريقة معيّنة في مجلسه ولا في مظهره، ما جعل الرجل يسأل عنه بين صحبه في مسجده (أيُّكم محمد؟)؛ ثم تأمّل معي كيف أنّ مشايخنا وطلاب العلم فينا، يصرّون على أن يتميّزوا بلباس معيّن، ثم يدعون دونما دليل، أنّ ذلك من سيما أهل العلم، فلا يلبسون العقال مثلاً، رغم أنه من لباس أقوامهم كبارهم وصغارهم. وغيرهم من المذاهب الأخرى يصرّون على العمامة، بل ويجعلون لونها دليل على التراتبية الطبقية، وتمييز نسب هذا عن ذاك كما يدعون، وآخرون من طلبة العلم يلبسون طرابيش على رؤوسهم ورثوها من أزياء بني عثمان، فألحقوها بأهل العلم، وأصروا عليها كما في مصر ودول عرب الشمال.

إنّ إصرار بعض الشباب الملتزم دينياً على عدم لبس العقال، وإطالة اللحية بشكل مبالغ فيه، وتقصير الثوب إلى منتصف الساق، واعتبار أنّ المظهر والشكليات هي من أُسس الالتزام الديني، ظاهرة يجب أن نتوقف عندها، فهذا الشاب الغض، الذي قرر الالتزام، يعلم يقيناً أنّ (لبس العقال) مثلاً زي محلي، لا علاقة له بالحلال والحرام من بعيد ولا من قريب، فلماذا يجد بعضهم حرجاً في لبسه؟. أليست مثل هذه التصرفات مدعاة للتملُّق والرغبة في تمرير رسالة قد يكتنفها (الرياء) إلى الآخرين؟

أيها الأحبة: الدين جوهر قبل أن يكون مظهراً؛ وإذا كان اللباس دليلاً على (الكهنوتية)، التي نهانا جلّ وعلا عنها، فحريٌ بنا أن نبتعد عما قد يشير إليها، وما قد يُكرسها اجتماعياً، وغني عن القول إنّ (تميّز) طلبة العلم الشرعي والملتزمين دينياً بلباس أو مظهر يُعرفون به دون سواهم، تميّز كهنوتي محض. كما يجب أن نعمل بكل إخلاص وصدق على أن يكون المسلم الملتزم الصادق هو من يكون الدين نواة أعماقه، لينعكس على ممارساته وأعماله وأخلاقه وتعاملاته، لا (فقط) في تقيّده بالمظهر والشكليات.

وختاماً اقرأ معي هذا الحديث الصحيح: (إنّ الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم؛ وأشار بأصابعه - صلى الله عليه وسلم - إلى صدره)؛ ثم التفت إلى اهتمام البعض بالشكليات والمظاهر كدليل على الصلاح والاستقامة، لتصل إلى ما أريدك أن تصل إليه.

مقالات أخرى للكاتب