08-10-2014

الروائي العلوان و(الرحيل) الأكاديمي

كتاب «الرحيل» هو أحدث كتب الروائي المعروف محمد حسن علوان، والمفاجأة بالنسبة لمحبي الكاتب كانت في إصدار كتاب علمي متميز، على غير ما عهدوا العلوان كروائي. الرحيل يتحدث عن نظريات الرحيل والترحال بشكل علمي رصين ومتميز، وأستطيع أن أصفه بأنه سيكون أحد المؤلفات العربية المتميزة الصادرة هذا العام في مجال العلوم الاجتماعية. كون الروائي يصدر كتاباً علمياً، يطرح تساؤلاً حول علاقة الرواية بالبحث العلمي؟ الرواية قد تكون سيرة أو تخيلاً، في بداياتها أو في العمل أو الأعمال الأول، لكن عندما تصل إلى مرحلة الاحتراف فهي تتطلب تحضيراً خلفياً لا يلمسه القارئ؛ عبارة عن بحث اجتماعي وتاريخي سوسيولجي مضن، يختلف عن البحث الأكاديمي في كونه يختزن في ذهن الكاتب ويفرغ بشكل روائي أو سردي، وليس بشكل بحثي أكاديمي. هذا ما نجده في سيرة الكتّاب العالميين الكبار في عالم الرواية، حيث لا يكون تأليف الرواية لأحدهم مجرد الجلوس على المكتب وتعبئة الأوراق، بل يسبق ذلك تحضير كبير عبر القراءة والسفر والمعايشة، وهذا ما يجعل الرواية مصدراً مهماً للبحث الأنثروبولجي. فن الرواية يلعب على تفاصيل المكان والزمان والشخوص، ولكي يتقنها الروائي عليه فهم تفاصيلها وهضمها ومن ثم سردها بطريقته الخاصة، فهل كان البحث في موضوع الرحيل، مصدره الشغف الأكاديمي أم التمهيد لعمل روائي ذي علاقة بالترحال والرحيل والهجرة؟

لست أشرح فن الرواية هنا، بقدر ما أريد القول بأنه ليس مستغرباً أن نجد الروائي العلوان قادراً على إنتاج عمل أكاديمي متميز، كما فعل في آخر إصداراته، كتاب الرحيل. طبعاً لا نغفل هنا - لمن لا يعرف الكاتب - بأنه يملك خلفية أكاديمية في أكثر من تخصص علمي، حيث إنه متخصص في علوم الحاسب ويحضر الدراسات العليا في التسويق وعلاقته بالأمور السياحية، ومن هنا فلا غرو أن نجده قادراً على كتابة المؤلف العلمي بكل ثقة كما هو قادر على كتابة الرواية.

كتاب الرحيل وصفته أعلاه بأن أحد أبرز المؤلفات الاجتماعية، باللغة العربية، الذي يقوم بتلخيص نظريات الرحيل والهجرة والسفر وما يتعلق بدوافع ومبررات الناس في الرحيل من مكان لآخر، وما يرادف ذلك من مفردات الهجرة والسفر والانتقال. الهجرة والترحال تعتبر أكثر الظواهر العالمية بروزاً ولا يوجد بلد لم يتعرض لها دخولاً أو خروجاً، ورغم ذلك لا يوجد مؤلفات في المكتبة العربية تساعد الدارسين على فهم نظريات الرحيل والعوامل الدافعة والمؤثرة في رحيل الناس واستقرارهم أو عودتهم عبر الهجرة المعاكسة. يرحل الناس لأسباب اقتصادية، ويرحلون لأسباب سياسية ويرحلون لأسباب اجتماعية، ويعانون في سبيل ذلك الصعوبات والأوجاع المتنوعة. ويرحل الناس لأغراض السياحة والمتعة والكسب، ويحصلون على متعة وتغيير في حياتهم وروتينها الدائم.

الرحيل أمتاز بمحاولته طرح نظريات الرحيل بشكل علمي محايد دون الانسياق نحو الايدلوجيا أو الإثارة السياسية والاجتماعية، وهذا ما يجعله كتاباً علمياً متميزاً وفي نفس الوقت يجعل البعض ينتقده، حينما لا يجده منحازاً لأيدلوجيته وفلسفته الفكرية والثقافية والسياسية.

ربما هو مقدمة تأسيسية نظرية لمشروع يتجاوز مجرد استعراض النظريات عبر دراسة نظرية، إلى دراسات حول الترحال والهجرة والاستيطان.

منطقتنا العربية من أكثر الدول التي هاجر ويهاجر أهلها ويتنقلون بين مختلف الأقطار والديار، ورغم ذلك فدراستنا الاجتماعية التطبيقية متواضعة في هذا الشأن، ولعل جامعاتنا تلتفت بشكل أكبر لهذا الموضوع في أقسامها ذات العلاقة...

- الرحيل صادر عن دار الساقي، 2014م

malkhazim@hotmail.com

لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm

مقالات أخرى للكاتب