11-10-2014

بالحوار وبالمدرسة تحقن الدماء وتنبذ الفرقة والغلو

جاء ضمن كلمة خادم الحرمين الشريفين التي وجهها للأمة الإسلامية وألقاها نيابة عنه الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي،

خلال حفل الاستقبال السنوي لقادة الدول الإسلامية ورؤساء بعثات الحج الذي أقيم بالقصر الملكي في مشعر منى يوم الأحد الماضي والذي رعاه ولي العهد نيابة عن الملك عبد الله بن عبد العزيز أن لا سبيل إلى التعايش في هذه الدنيا «إلا بالحوار»، وشدد على أن بالحوار «تحقن الدماء وتنبذ الفرقة والجهل والغلو، ويسود السلام في عالمنا»، وقال: «لن يصل المسلمون والعالم أجمع إلى هذا الهدف النبيل إلا بأن تكون الأجواء كلها مهيأة لذلك»، داعيا علماء الأمة الإسلامية ودعاتها وأصحاب الفكر، إلى أن يكونوا قدوة للشباب «بإعطائهم النموذج الأمثل في الحوار والتعامل» وأن يبينوا للمسلمين جميعا ما ينطوي عليه الدين الإسلامي من سماحة ووسطية كما عاشها السلف الصالح «حينما كان منهجهم السير على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم». وشدد خادم الحرمين الشريفين في كلمته، على أن بلاده «لا تزال ماضية في حصار الإرهاب ومحاربة التطرف والغلو»، وقال: «لن تهدأ نفوسنا حتى نقضي عليه وعلى الفئة الضالة التي اتخذت من الدين الإسلامي جسرا تعبر به نحو أهدافها الشخصية، وتصم بفكرها الضال سماحة الإسلام ومنهجه القويم». وبين الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن الغلو والتطرف وما نتج عنهما من الإرهاب «يتطلب منا جميعا أن نتكاتف لحربه ودحره»، محذرا من أنه «ليس من الإسلام في شيء، بل ليس من الأديان السماوية كلها، فهو عضو فاسد ولا علاج له سوى الاستئصال، وإنا ماضون في استئصاله بلا هوادة بعزم وبعون من الله عز وجل».

وجاء في كلمته أيضا: «كما على المعلمين والمربين في مدارسهم أن يهيئوا أبناءهم الطلبة لخوض حياة تقبل الآخر؛ تحاوره وتناقشه وتجادله بالتي هي أحسن، فالمنهج المدرسي بيئة مناسبة لتعويد الطالب على التحاور، وتعويده على أن الخلاف مهما كان يُحَل بالنقاش والحوار، وتدريبه على الأسس الشرعية التي دعا إليها ديننا في تلقي الآخر. وإنه لَيَحسن هنا أن أذكّر الأم بعظم الرسالة الملقاة على عاتقها، فالأم المدرسة الأولى التي يعي منها الأبناء منذ نعومة أظفارهم ما لا يعونه من الآخرين؛ فإن أحسنت الرعاية أينع غرسها وأثمر، بل ينبغي لكل من استُرعي أحدا من أبنائنا أن يغرس في نفوسهم أن الدين الإسلامي دين محبة وتحاور وتعايش لا دين نبذ وبغض، وقد أعطانا المصطفى صلى الله عليه وسلم وصفة إسلامية في الحياة حين قال: (والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم.. أفشوا السلام بينكم). إن الغلو والتطرف وما نتج عنهما من الإرهاب يتطلب منا جميعا أن نتكاتف لحربه ودحره، فهو ليس من الإسلام في شيء، بل ليس من الأديان السماوية كلها، فهو عضو فاسد ولا علاج له سوى الاستئصال، وإنا ماضون في استئصاله بلا هوادة بعزم وبعون من الله عز وجل، وتوفيق منه بإذنه تعالى، حماية لأبنائنا من الانزلاق في مسارب الأفكار المتطرفة والانتماءات الخاصة على حساب الأخوة الإسلامية.....» وهذا كله كلام وجيه ويصب في مستقبل العقول التي ستبني دولنا بعد عقود من الآن والتي عليها المعتمد في تحقيق البناء الهادف لأوطانها وضرورة خلوها من فيروسات الغلو والإرهاب. نبهنا في مقالاتنا الأخيره في صفحات هاته الجريدة الغراء أن إزالة المنظمات الإرهابية كداعش من أوطاننا ومن العالم مسألة مصيرية ولكن لا يكفي ذلك لاستئصال الإرهابيين والسفاكين الملوثة عقولهم وقلوبهم، محبي الدماء وقطع الرؤوس فحسب، بل لا بد من التأثير على عقول البشر وهنا مكمن الخلاص لشعوبنا.

«فداعش»، و»جبهة النصرة»، و»بوكو حرام» في مالي و»أحرار الشام»، و»أنصار الشريعة» في ليبيا، و»القاعدة» في اليمن، وغيرها من التنظيمات المتطرفة في سيناء، ومنطقة جنوب الصحراء الأفريقية هي كلها مسميات لإرهاب واحد حيث يضع مريدوها للانتهازية عنوانا من الدين، ويقدمون للظلم وسفك الدماء البريئة تبريرات من الآيات، ويعطون لأفعالهم وأعمالهم وجشعهم أسماء من الشريعة، ويضفون على انحرافهم هالة من الإيمان ويجعلون سفك الدماء ظلما وعدوانا عملا من أعمال الجهاد.... وهاته أمور ليست من الإسلام في شيء، وإنما خروج عن الدين والعقل وتصرف جاهلي يتشح بالدين ويتسربل بالشريعة لتذوب من خلال هاته الأفعال قيم الإسلام السامية وتمحي بهاته الأفعال مثل القرآن العليا، والإسلام بريء منها.

وهاته المنظمات الإرهابية لم تنزل من المريخ وإنما نمت في أوطاننا واستغلتها فئات ضالة ومضلة زادتها في غلوها وإرهابها... فالمصيبة الآزفة والعظمى هي إذن في عقولها وتكوينها وجهلها، بمعنى أن المدرسة في مجتمعاتنا أفرزت مثل هاته الأوبئة الفتاكة التي تأتي على الأخضر واليابس ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فالمدرسة كما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين يجب أن تقوم بزرع المبادئ والقواعد الدينية السمحة في أفئدة وعقول الناشئة منذ صغر سنهم، وتزيل عنهم الطغيان في التعصب الديني والتنازع والفرقة والاختلاف، وتشرح لهم خطورة الفهم الحرفي والسطحي والجزئي المتوجس من المقاصد الضابطة لبوصلة النص والحكم الشرعيين.... فبغياب مدرسة القرن الواحد والعشرين فإن التاريخ لن يسامحنا وسنرعى غلو داعشيين سفاكي الدماء يكفرون ويقتلون ويزرعون الفتن باسم الدين والدين بريء منهم.... فمدارسنا ومؤسساتنا التربوية، ولقد سبق وأن كتبت ذلك وأعيده هنا، هي الأرحام التي تصنع فيها العقول والأجيال والمستقبل وبدون إعادة النظر في مناهجنا في الإبان فإننا نقدم للبشرية أناسا قلوبهم وعقولهم كالحجارة او أشد قسوة يقتلون ويقاتلون على عروض الدنيا ويتصارعون من أجل تأويلات لفظية ويتخلخلون في توافه المسائل ويتحللون في سفاسف الحياة ويفتقدون أية رؤية تكاملية للحاضر وأية رؤية بصيرة للمستقبل.

وقد كنت أوردت سابقا في هاته الجريدة ما كان قد أفتى به الفقيه الحنفي ابن عابدين في حاشيته وهو أنه إذا تنازع اثنان على طفل، وكان أحدهما مسلماً والآخر ذمياً، وادعى المسلم أن الطفل ملك له (عبد أو رقيق)، وادعى الثاني أنه ابن له فإنه يحكم لصالح الذمي، لأن تنشئة الطفل على الحرية وإن كانت على غير دين الإسلام، أفضل من تنشأته على العبودية وإن كانت على الإسلام. ذلك أن حرية المرء وكرامته مرتبطان بإنسانيته، فيسبقان دينه ويتقدمان عليه.... فكم أود أن تدرس في مداسنا قيم الحرية والتسامح والإنسانية وأبجديات بناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك والتي يجب أن تكون مقدسة في عقول الناشئة والله سبحانه وتعالى قد أراد الناس مختلفين، وخلقهم شعوباً وقبائل لكي يتعارفوا، وأمر المسلمين بالتعاون مع بعضهم البعض ومع غيرهم في البر والتقوى، ونهاهم عن التعاون في الإثم والعدوان..... والأصل أنه في غير حالة العدوان على المسلمين أو فتنتهم في دينهم أن يكون البر والقسط هو اليد التي يمدها المسلمون إلى غيرهم لبناء تلكم الأسرة الإنسانية الجامعة والتي كرمها الله سبحانه وتعالى وحج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور لكل من أدى الفريضة هاته السنة.

مقالات أخرى للكاتب