من فوائد الدعاء لولي الأمر

عبدالرحمن بن محمد بن إبراهيم الريس

سئل الفضيل بن عياض - رحمه الله - حين سُمِع يقول: (لو كانت لي دعوةٌ مستجابة ما جعلتها إِلا في السلطان) فقيل له: يا أبا علي فَسِّر لنا هذا، فقال إذا جعلتُها في نفسي لم تَعْدُني. وإِذا جعلتها في السلطان صَلَح فصَلَح بصلاحه العبادُ والبلاد). وفي بعض الروايات لأنه إِذا صلح الإِمام أَمِن البلادُ والعباد.

إن الدعاء لولي الأمر له فوائد كثيرة منها:

الفائدة الأولى:

أن المسلم حين يدعو لولي أمره، فإنه يتعبد لله عز وجل بهذا الدعاء، ذلك لأن سمعه وطاعته لولي الأمر إنما كان بسبب أمر الله له وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية) متفق عليه، فالمسلم يسمع ويطيع تعبداً لله عز وجل وطاعة له، قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: (الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات).

الفائدة الثانية:

أن في الدعاء لولي الأمر إبراء للذمة، إذ الدعاء من النصيحة، والنصيحة واجبة على كل مسلم، قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ((إني لأدعو له (أي السلطان) بالتسديد والتوفيق - في الليل والنهار - والتأييد وأرى ذلك واجباً علي)). السنة للخلال ص 38).

وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:» مِن مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، ومن النصح الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة».

الفائدة الثالثة:

أن الدعاء لولي الأمر من علامات أهل السنة والجماعة، فالذي يدعو لولي الأمر متسم بسمة من سمات أهل السنة. قال الإمام أبو محمد البربهاري رحمه الله: «وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان، فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح، فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله».

الفائدة الرابعة:

أن في الدعاء تصديقاً لمبدأ السمع والطاعة، وتأكيداً له وإعلاناً به، ولهذا حين اقتحم رجال الخليفة المتوكل على الإمام أحمد بيته - على إثر وشاية - كان فيما قال لهم رحمه الله: «....إني لأرى طاعة أمير المؤمنين في السر والعلانية، وفي عسري ويسري، ومنشطي ومكرهي، وأثرة علي، وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق، في الليل والنهار...»(انظر البداية والنهاية 10-337). ففي قول الإمام أحمد: «وإني لأدعو له «تأكيد لما يعتقده من السمع والطاعة وإقرار به.

الفائدة الخامسة:

أن الدعاء لولي الأمر نفعه الأكبر عائد إلى الرعية أنفسهم، فإن ولي الأمر إذا صلح صلحت الرعية، واستقامت أحوالها، وهنئ عيشها.

الفائدة السادسة:

أن ولي الأمر إذا بلغه أن الرعية تدعو له، فإنه يسر بذلك غاية السرور، ويدعوه ذلك إلى محبتهم والألفة بهم والاجتماع معهم, ولايزال يبحث عما فيه سعادتهم وراحتهم.

الفائدة السابعة:

امتثال أمر الله تعالى، وابتدار طاعته، فإن من أطاع الأمير بالمعروف فقد أطاع الله. كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء، وفي الحديث الصحيح: (من أطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني).

ولاشك أن هذا الامتثال لأوامر الله من أعظم الأدلة على عبودية الإنسان لربه، وخضوعه له وإيمانه به رباً وإلهاً وشارعاً.

الفائدة الثامنة:

إن في ذلك ترويضاً للرعية، وتربية لهم على الطاعة والانقياد لمن شرع الله طاعته من ولاة الأمور والوالدين والأزواج ونحوهم.

وإذا تربت الأمة على ذلك أصبحت تصرفاتها وفق إرادة الشارع، وبذلك تذوب أهواؤها وأنانيتها كما تتهذب غرائزها وطباعها.

الفائدة التاسعة:

أن بالطاعة لأولي الأمر تتلاحم الأمة وتتماسك، وتقوى الصلة بينهم جميعاً، سواء بين الراعي ورعيته، أم بين الرعية (بعضهم ببعض) وبهذا تتحقق وحدة الأمة بل قوتها.

الفائدة العاشرة:

انتظام أمور الدولة وأحوالها، سواء في أمور الدين كالعقيدة والعبادة والأخلاق، أم في أمور الدولة كالمعاملات والعلاقات، ونحوها. إذ إن تطبيق الشريعة بأصولها وفروعها لا يتحقق إلا بطاعة الراعي، بل لا تتحقق مصالح العباد العاجلة والآجلة إلا بها. (انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 247.

الفائدة الحادية عشرة:

إشاعة الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، وهذا أمر ظاهر، فالطاعة لولي الأمر تَعني سيطرة الشرع والعقل والقلب على كل التصرفات، والتغلب على الهوى والنفس اللذين يجران إلى الجريمة والتمرد والعصيان، وهذا كفيل في تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة في النفس والمجتمع والبلاد.

الفائدة الثانية عشرة:

أن طاعة ولي الأمر والدعاء له سبب للنصر على الأعداء، إذ بها تجتمع الكلمة وتلتحم الصفوف وتتحد القوى، وهذه هي أهم مقومات النصر، ولذلك كان من أهم أسباب انتصارات المسلمين في المعارك الكثيرة هي الطاعة لولي الأمر.

ولعل في قصة غزوة أحد أجلى دليل على ذلك، فالمسلمون قد انتصروا في أول الأمر حينما كانوا مطيعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انهزموا حينما خالفوا أمره، فنزل الرماة من الجبل لمشاركة الناس في جمع الغنائم بدون إذن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وكذلك في قصة بني إسرائيل حينما بعث الله لهم طالوت ملكاً وقائداً، فإن الفئة التي أطاعته ولم تخالفه في الشرب من النهر نصرها الله مع قلتها وكثرة عدوها.(وقد جاءت القصة كاملة في سورة البقرة من الآية 246-251.

اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا خادم الحرمين الشريفين لكل خير، اللهم كن له عونًا في كل ما أهمه، اللهم انصر به دينك وأَعل به كلمتك، اللهم اجمَعْ به كلمةَ الأُمَّةِ ووحد به صفوفها على الخير، وبارك له في مساعيه،اللهم حقق له ما أراد من الخير واصرف عنه كل شر يارب العالمين، اللهم اجعله سببًا لحقن الدماء واجتماع القلوب، اللهم ارزقه الصحة والسلامة والعافية، اللهم وفقه لما تحب وترضى إنك على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية