20-10-2014

فقراء محمد علوان

خلال الأسبوع الماضي كنت في لحظات الاسترخاء أتناول من حين لآخر وأقرأ واحدة أو اثنتين من المجموعة القصصية الأخيرة للصديق القاص محمد علوان (من إصدارات نادي أبها الأدبي).

جذبتني أكثر من غيرها واحدة من القصص القصيرة، تحمل عنوان «هاتف»، وقد اتخذها القاص عنواناً للمجموعة، وحسناً فعل. القصص كلها قصيرة وبعضها قصيرة جداً، وهذا نمط أدبي حداثي سبق عصر تغريدات تويتر القصيرة والمكثفة. هكذا هو نفس العصر، الاختصار والتكثيف، وعلى القارىء تخيُّل الأجواء والتفاصيل بناء على ثقافته. لم يعد هناك الوقت الكافي ولا الحاجة إلى الثرثرة والسردية الوصفية للأماكن والمشاعر وتسلسل الأحداث. المخزون الثقافي والمخيالي للقارىء يجب أن يكفي لنسج ما يحتاجه من الأجواء والأماكن والشخصيات، فتصبح القصة القصيرة ضاجّة بالحياة وممتدة عبر الزمن.

اخترت لكم من الكتاب قصتين للتعريف بالمجموعة، إحداهما قصيرة بعنوان «هاتف»، والأخرى قصيرة جداً بعنوان «الفقراء». في «هاتف» يحاول محمد علوان التعامل الصعب مع ذلك الشعور الغامض والضاج باعتراضات النفس اللوامة، حين يحاول أحدنا مسح رقم هاتف مات صاحبه، أو بتعبير القاص عبر صاحبه إلى الضفة الأخرى. التعامل مع الواقع يتطلب مسح ما يتم الاستغناء عنه، وأرقام الأموات تصبح كذلك. يريد محمد علوان أن يعبّر عن ذلك التردد، في أن تستغني عن شيء تجريدي، لم يعد له قيمة عملية، مثل رقم الهاتف أو النظارة الشمسية أو العكاز لعزيز غادرك إلى الأبد، ولكن ذلك الشيء مختزن في ذاكرتك وملتصق فيها بعزيز لديك، مثل أبيك أو أخيك، أمك أو أختك أو واحد من أصدقاء العمر.

تحاول، تقول لنفسك كن واقعياً يا رجل، تقبَّل الأمر كجزء من التعامل اليومي مع الحياة، امسح هذا الرقم، أبعد هذه النظارة، تخلص من هذا العكاز، فلم يعد لها فائدة، ثم تقفز نفسك اللوامة معترضة، أهكذا تريد أيها الخائن التخلص مما يذكرك بذلك العزيز لكي تستطيع النسيان وتعبر فوق آلام الذاكرة وتمسح الماضي؟.

للتعريف بالقصة القصيرة جداً «الفقراء»، فقراء محمد علوان سوف أنقل السطور الأخيرة منها:

وحين يرجع الفقراء بعد مغيب الشمس يشرقون في الليل. أما الأغنياء فلا يرون الشمس ويظل هاجسهم الأول مراقبة الفقراء. هؤلاء ينامون مبكرين مع زوجاتهم ومع أولادهم ثم يثمرون فقراء جدداً، وأولئك الأغنياء يراقبون، فتذهب عليهم لحظة الأنس ويظلون يحقدون على الفقراء.. كيف ينامون، كيف يمكن لهم أن يتساقطوا ثمراً وظلاً؟.

لا حاجة للتعليق. فقراء محمد علوان هم الشمس والهواء والثمار التي تطحنها الأيام، لهم طعم ورائحة وإشراق، ويتركون بذوراً ليستمر الأغنياء في تناول الخبز ولكن في الظلام.

أنت تمتلك إحساساً إنسانياً مرهفاً يا صديقي محمد علوان.

- الرياض

مقالات أخرى للكاتب