21-10-2014

فلسطين مركز الزلزال...!

لا شك أنّ المشهد السياسي العربي يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، منذ أن بدأ ما عُرف ((بالربيع العربي))، وزاد الطين بلة، تحليلات المدعين المعرفة بالشأن العربي، والذين باتوا أشبه بمفسري الأحلام، في تفسيرهم المشهد هنا أو هناك، وذلك لتداخل عديد من الأسباب والعوامل في إحداث ما يحدث، حيث يصعب فصل هذه الأسباب والعوامل بعضها عن بعض لتقدير فاعلية كل سبب منها، ويغيب عن ذهن الكثير من المحللين والمسؤولين أنّ السبب الرئيسي الكامن في تفاصيل الحالة العربية ومشهدها السياسي المعقد، يكمن فيما عُرف بالقضية الفلسطينية، والتي سمّيت لوقت طويل بالقضية العربية المركزية، لقد واكب ولادة الدول العربية المتداعية اليوم صناعة القضية الفلسطينية وإقامة كيان الاغتصاب الصهيوني، ما مثل جرحاً وطنياً وقومياً ودينياً عاماً للعرب وللمسلمين، مما دعا كل دولة بل وكل تشكيل سياسي عربي قومي أو ديني، أن يعتبر القضية الفلسطينية، ومواجهة العدو الصهيوني قضية رئيسية على رأس برنامجه، حتى باتت تُعرف القضية الفلسطينية ((بقميص عثمان))، وأصبح هذا القميص هو المدخل السهل لقلوب الجماهير العربية والتحشيد السياسي لهذه التشكيلات أو لتلك الحكومات، وجرى تغييب الاستحقاقات الأساسية الواجب الوفاء بها للشعوب في سياسات وبرامج الحكومات والأحزاب على السواء وفي مقدمتها بناء الدولة الناجحة، وتحقيق الالتحام الاجتماعي بين أفراد الشعب وطبقاته وطوائفه المختلفة، وإنضاج مفهوم المواطنة والولاء للوطن وللدولة، وصولاً إلى تحقيق التنمية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق الأمن والأمان للمواطن في دولة المؤسسات والقانون، تحت هذه الذريعة المدعاة في التصدي للمشروع الصهيوني، والقضية الفلسطينية ما زالت بعد مرور سبعة وستين عاماً على نكبتها، تراوح مكانها، ويزداد جرحها عمقاً يوماً بعد يوم.

إنّ اغتصاب فلسطين مثّل فعلاً الزلزال المركزي للمنطقة العربية، ومثّل سبباً رئيسياً في الفشل الذريع للدولة العربية في تحقيق أهدافها الوطنية والقومية، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من تردٍّ، وما تشهده اليوم من انهيارات واقتتال داخلي وخارجي، إلا هزّات ارتدادية لهذا الزلزال المركزي ((قضية فلسطين))، فالتعاطي مع النتائج لن يمثل حلاً ناجعاً، ولن يصل إلى حلول شافية تعيد الصحة والعافية للدولة العربية ومجتمعاتها المتصدعة، دون التعاطي مع جذر هذه الأزمات والصراعات، وهو القضية الفلسطينية، ولأن أدرك الفلسطينيون مبكراً هذه الإشكالية، والدور المركزي لقضيتهم في المنطقة، فقد سعوا لإيجاد حلٍّ لقضيتهم ولو مرحلياً، إلاّ أنّ سياسة الإتجار بقضيتهم من قِبل تلك التشكيلات السياسية وخصوصاً منها ((الدينية الشعار)) في المرحلة المتأخرة، ودخول دول إقليمية أخرى على خط الاستخدام السياسي للقضية الفلسطينية والتي تسعى إلى بسط نفوذ إقليمي يتجاوز حدودها الوطنية، مثل إيران وتركيا، زاد من تعقيدات القضية الفلسطينية وأعاد توظيفها في حساباتها الحزبية والإقليمية، وزاد في خلخلة الوضع الفلسطيني والعربي برمّته ودفعه إلى حالة التأزم والتمزق الاجتماعي والسياسي والديني والطائفي الذي تشهده الدول العربية، ودون تحديد دول بالاسم، ينظر القارئ إلى خارطة العالم العربي ويدرك بنفسه عدد الدول الفاشلة أو التي في طريقها إلى الفشل، وللأسف لم يتوقف الفشل على الدولة ومكوّنها السلطوي، بل امتد إلى المجتمع لتصبح شعوب الدول العربية مجتمعات فاشلة أيضاً تفتقد لأبسط صور التوحد.

لقد دفعت الدول العربية والمواطن العربي ثمن الاستغلال والاستخدام السيئ من قِبل الأحزاب والسلطات الحاكمة، لقميص عثمان (القضية الفلسطينية) من وحدتها وفاعليتها، وبالتالي فإننا نؤكد أنّ ما تشهده الدول العربية هو هزات ارتدادية، لا يمكن التعاطي مع نتائجها ومعالجة آثارها دون معالجة مركز الزلزال في فلسطين، فهل تدرك الدول والنخب العربية ودول المنطقة والدول ذات النفوذ العالمي في المنطقة هذه الحقيقة، وتسارع إلى فرض حل عادل لقضية فلسطين، لأنه يمثل المدخل الصحيح والطبيعي لحل مشاكل وأزمات المنطقة والدول العربية عموماً؟.

E-mail:pcommety@hotmail.com

عضو المجلس الوطني الفلسطيني - المدير العام لمكاتب اللجنة الشعبية لمساعدة الشعب الفلسطيني بالمملكة - الرياض

مقالات أخرى للكاتب