21-10-2014

قد لا يَرى أنك ناصح إلا أنت!

مِن أطرف الأشياء التي تمر عليّ هي التناقضات بين نية الشخص وأفعاله، ومن ذلك أن ترى شخصاً كثير الصراخ والمشاكل والتعنيف والضرب، لكن يأتي أحد أقاربه ويقول لك: صحيح أن فلان سيئ الخلق لكن «قلبه طيب»! وهذه تضحكني بسبب سخافتها؛ فيا ترى ماذا استفدنا من طيبة قلبه إذا كان لا يعرف التفاهم إلا بالصياح والشتم؟

هذه تستحضر مبدأً مهماً، يغيب عنا كثيراً، هو أننا أحياناً تكون لنا نوايا طيبة، لكن لا نُظهرها، بل نعاكسها أحياناً. وخذ هذا السؤال مثالاً: ماذا تفعل لو أنك قلت لطفلك ألا يستخدم جهازاً لأنك تخاف أن يضره أو يحرق جلده؟ الأطفال فضوليون كما هو معروف؛ لذلك قد يغلبه الفضول الفِطري في النهاية، ويعبث بهذا الجهاز، خاصة أن كل ممنوع مرغوب. فإذا صادف أن رأيته وهو يلعب به فقد تصرخ عليه أو حتى تضربه. تقول له بأن يذاكر دروسه فإذا اقترب وقت النوم وهو لم يحل الواجب أو يفتح الكتاب فربما يكون نصيبه التوبيخ أيضاً. تحذره من أن يستخدم كلمة بذيئة فإذا قالها صفعت ظهره.

والأم لها نصيب من هذا أيضاً: قد ترى ابنتها فتنتقد طريقة تصفيف شعرها أو ملابسها، أو تلاحظ أن رباط الحذاء مرخي فتنبّهها إلى ذلك، أو أن طريقة كلامها فيها نقص فتحاول تصحيحها لها.. وهلم جرا. لا شك أن النوايا الطيبة هي الأصل وراء هذا كله؛ فالأب يحب ولده، والأم تحب ابنتها، لكن بالنسبة للأطفال أنفسهم كيف سيرون تلك التصرفات؟ هل سيفسرونها على أنها آتية من أناس يحبونهم، ويريدون لهم الخير؟ لا طبعاً، بل حتى لو كانوا كباراً فسيصعب عليهم تقبّل النقد والتصحيح المستمر، فكيف بالضرب والصراخ والشتم؟ وكيف بهم وهم أطفال؟ إذا لم ترَ الطفلة على وجه أمها إلا وجهاً انتقادياً يحاول البحث عن شعرٍ غير مرتب أو زرٍّ غير مربوط أو حذاءٍ غير مناسب.. فلن تشعر بالحب والدفء نحو أمها في تلك اللحظة بل بالانتقاد والضغط والسلبية، رغم أن أمها لا تريد إلا أن تُظهر ابنتها بأحسن صورة، لكن شتان بين النية والفعل. الأب الذي لا يريد أن يؤذي الطفل نفسه أو أن يتخلف في دراسته يحب ابنه، لكن استخدامه الصراخ والضرب كوسيلة أساسية لن يجعل الطفل يحب أباه ويوقن بأنه لا يريد له إلا الخير.

هذه لا تخص الأطفال فقط بل حتى الكبار، فلو أنك انتقدت أحد الأحباب بكثرة - ومقصدك مصلحته - مثل أن تشير إلى وزنه السمين أو أدائه السيئ في الدراسة.. فهل سينظر لهذا على أنه تصرف شخص يحبه ويريد له الخير؟ قد يعتقد هذا من ناحية عقلية، لكن قلبه ونفسه سينفران منك، ولن تُسبِغ التسويغات السكينة على قلبه. لو أنكِ باستمرار تنتقدين تسريحة شعر صديقتك أو ملابس قريبتك أو شخصية زميلتك (وأنت تحبينهن) فهل سيرين أن هذه التصرفات آتية من قلبٍ محب يريد النفع لهن؟ لا.

احرص على أن توفّق بين نيتك وكلامك وأفعالك، بل حتى ملامح وجهك، فالوجه العبوس الانتقادي سيبث السلبية حتى لأقرب الناس، الذي يعرف أنك تحبه.

كونُ نيتك حسنة لا يكفي دائماً، بل أحسن الأسلوب والنصح، وابتعد عن الانتقاد الكثير، خاصة الذي لا ضرورة له، واحرص على أن يعلم الناس عن هذه النية، سواء كنت تربي طفلاً أو تنصح صديقاً أو قريباً، وإلا صارت التربية اضطهاداً والنصيحة انتقاداً.

i.alammar.11@gmail.com

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب