23-10-2014

أريد زوجاً سعودياً بمواصفات عالمية

أحاول في هذه المقالة إتمام حديثنا الذي بدأته الأسبوع الماضي، حول بقاء فتيات كثيرات إلى سن متأخرة دون أن يوفقهن الله في العثور على زوج مناسب، وأحاول هنا تحديد بعض التعقيدات التي تحيط بعلاقة المرأة بالرجل في مجتمعنا، حيث لعب التغيُّر القيمي الذي يشهده العالم الإسلامي عامة والخليجي على وجه الخصوص، دوراً كبيراً في تغيير توقعات الجنسين من بعضهما، كما تداخلت

عوامل التربية الأسرية وتوتر المناخ الثقافي والاجتماعي بفعل التحوُّلات الثقافية والدينية وعالم الرفاه الذي تعيشه دول الخليج، في تغيير نظرة الفتاة إلى رجل المستقبل..

شابة اليوم تستطيع السفر مع أهلها لقضاء إجازاتها كما كانت تسمع من زميلات الدراسة، لذا لم يعد الزوج هو الأمل الوحيد حتى تخرج من حرمانها وقوقعتها. إنها فعلاً تسافر وترى وتقابل صديقاتها وترى العالم وهي لا زالت ضمن إطارها الأُسري.

هي أيضاً مخدومة ومحشومة فالشغالة تعمل ليل نهار، وما عليها هي إلا إعطاء بعض التوجيهات وربما بعض الإشراف والمشاركة السطحية عند طوارئ العزايم ونحوه، كما وفّر والدها السائق فلم يَعُد الرجل هو طريقها الوحيد للحركة وكسر أسر العزلة والعجز وخاصة بالنسبة لمعظم بنات المدن... هي أيضاً تعيش في بيت يوفر لها ما تحتاج وأب وأم وأخوة يحنون عليها ويلبون طلباتها، فلماذا تنتقل إلى بيت آخر لتطبخ وتنتظر الزوج حتى يعود من عمله لتتمكن من زيارة أهلها أو الذهاب للمجمع التجاري؟

كثير من قيم الرفاه المنتشرة ألغت الكثير من الحاجات المادية التي كانت تحكم علاقة المرأة بالرجل، بحيث تولّدت مفاهيم وقيم جديدة للعلاقة تعتمد على التوازن والتناظر بدل سيطرة الذكر على الأنثى.. (بالمناسبة هذا لا يعني بالضرورة أنّ ما عانته جيل الأمهات كان سيئاً إلى هذه الدرجة، بل ربما هو ما كان مطلوباً آنذاك، بالنظر للبيئة الثقافية والاقتصادية التي كانت موجودة قبل ازدهار عوائد النفط وظهور مجتمع الرخاء)..

يجب أن نعترف أولاً أنّ علاقة الرجل بالمرأة في مجتمعنا معقّدة جداً بل هي علاقة مرضية. فمن خلال ما يحدث من تأكيد علي الفصل التام بين الجنسين في كل مكان، وتجريم أي نوع من التواصل، تولّد شعور غير واقعي بين الجنسين تجاه بعضهما، شعور كما قلنا غير حقيقي ولا ينم عن توقعات واقعية، وهذا ما يطفئ شمعة الزواج مبكراً جداً، حيث لم تعتد المرأة أن تقدم أو تتفهم أحداً، كما أنّ الولد أيضاً ليس مضطراً لهَمٍّ جديد يضاف إلى قائمة هموم شراء أرض المستقبل وبناء منزل، أو قبل ذلك العثور على عمل يحقق احتياجاته وطموحاته، في ظل سوق عمالة غير ثابتة ومبنية على العلاقات والوساطات أكثر من كونها على القدرات الشخصية.

هو لا يفهمها وهي لا تفهمه.. لم يتح لهما أن يريا بعض في العالم الواقعي.. وكان كل ما يحاط بالعلاقة بينهما ويدفعها ذا وهج جنسي يتبخّر سريعاً بعد أشهر؟ الرجل يرى المرأة كما يتم تصويرها له: حيوان جنسي جميل ولطيف ويمكن التحكم فيه.. والمرأة ترى الرجل هو الفارس العذب الذي يصب أجمل الكلمات في أذنيها ويغدق عليها من كرمه ولطفه وحسن خلقه، ولذا وحين تستيقظ بعد أيام العسل لترى (الولد) على حقيقته البسيطة ومثلها: قلقاً وخائفاً ولا يحسن أصول اللعبة التي تم إقحامه فيها، وعليه أن يثبت رجولته في كل موقف حتى لو لم يكن معداً لذلك.. فالمرأة والأسرة والأطفال كما تم تدريسه أشياء يمتلكها (لذا يقولون) (ملكتك نفسي)، ويسمّى يوم عقد القران (يوم الملكة)، أي اليوم الذي يتم تملُّك المرأة كزوجة من قِبل الزوج الذي لم يعتد على مسئوليته المباشرة عن البيت والمقاضي والسائق والأطفال والمستشفى .. الخ من متطلبات الحياة اليومية، فيكشر عن غضبه وإحباطه لتمتلئ هي بالإحباط المضاد من (اكتشافها) الشخصية الطبيعية (الحقيقية) لزوجها، وتبدأ الصراعات وتشتعل بسرعة، ولأننا لم نوجد مؤسسات مهنية للاستشارات الزوجية تتحمل تكلفتها الجمعيات الخيرية، وتساعد الزوجين في تعلُّم طرق التواصل بينهما وطرق حل المنازعات بطرق سلمية (وهذه بالمناسبة مبادئ أساسية يتعلمها أطفال العالم منذ الابتدائية)، لذا تنهار مؤسسة الزواج مبكرة، ويصاب الطرفان بتأزُّم نتيجة لفشل علاقة أساسية في حياتهما، مما يضيع سنوات أخرى من عمرهما، وهو سبب آخر قد يدفع البعض وخاصة النساء لاختيارات بديلة، مثل أن تقبل بأن تكون زوجة ثانية أو تقبل بزواج المسيار أو زواج الدراسة، وغيره من نماذج التفريغ (التي) تتلبّس القانونية في مسألة خطيرة مثل الزواج، وتهدد النواة الأساسية للوجود البشري وهي نظام الأسرة.

الرجل يريد امرأة حلوة وعصرية ولكن بمواصفات تقليدية، فتسمع كلامه وتلبي رغباته حتى من غير قناعة، والمرأة تريد رجلاً عصرياً بمواصفات سعودية، ليصرف على سفرها ومنزلها ويوفر السائق والشغالة ويقبل في ذات الوقت استقلالها، وهو ما يجد الرجل السعودي صعوبة في تقبُّله.

عشرات آلاف من الفتيات اللاتي انطلقن إلى أنحاء العالم مع أول بادرة أمل ألقاها برنامج للابتعاث الخارجي، لن يتمكنّ بالضرورة من مقابلة (السعودي) المطلوب من قبلهن ومن قِبل أُسرهن في الخارج، وعليهن في الغالب الانتظار حتى العودة للديار للعثور على زوج (سعودي) أولاً ثم (قبيلي أو خضيري، ومن أي منطقة .. الخ من الدوائر القبلية التي تضيق اختيارات الفتاة)، ثم طبعاً متعلِّم ومعه شهادة على الأقل تقارب شهادتها، ثم مقتدر يستطيع أن يوفر لها متطلّبات هذا الزمن، الذي وصل فيه سعر متر الأرض في مدينة كالرياض إلى الآلاف دون تبرير واضح، سوى أن لا شباب سيتمكنون من تحقيق حلمهم بامتلاك منزل وعائلة، وأن الوهج يحرق اليوم أعمار الكثيرين، وخاصة الإناث أكثر من الذكور في انتظار زوج سعودي بمواصفات القبيلة، والأهل والأنساب والصديقات، ولك الله يا بروتس.. كيف ستستمر؟

مقالات أخرى للكاتب