23-10-2014

رائحة نادي النعناع تفوح.. وجرس الخليج دون مجيب

في الوقت الذي يتصارع فيه السياسيون على رسم المستقبل واختبار مساحات الصراع وبناء النفوذ، ثمة مطابخ تستكشف المستقبل بأوراق شفافة تتطابق معها فلا تدري أيهما يستشف الآخر!

***

بيوت الاستثمار وخبراؤه وجهابذة الرصد فيها تستكشف عن بعد خطوات قادمة إلى المشهد العالمي قد يشتت الضجيج خطوها الآن، فلا يكاد يرصدها إلا العالمون بالواقع والقريبون من تفاصيله، فقبل أكثر من عقد من الآن كان الاقتصادي العالمي Jim O›Neil احد أعمدة بيت المال الشهير جولدمان ساكس يستمع لعزف قادم من بعيد لمجموعة دول لم تكن حينها كما هي اليوم، فخط بفكره الاقتصادي شهادة ميلاد مجموعة BRICS، التي انضمت لها لاحقا دولة جنوب افريقيا.

***

نحت اونيل اختصار تلك المجموعة من الحروف الأولى لدول البرازيل وروسيا والهند والصين لتنضم إليها لاحقاً جنوب افريقيا في عام 2010 وهي التي يرى اونيل بأن ضمها إلى المجموعة ليس خاضعاً إلى المعايير التي صاغها وآمن بها. ورغم مراجعات اونيل طيلة تلك السنوات لمسيرة هذه المجموعة وخذلان بعض دولها لرؤيته الاقتصادية في مراحل معينة لدرجة تهكمه بأنه لو عادت به السنوات لاختصر تلك المجموعة في (C) إشارة إلى الصين وحدها فقط، إلا أن الواقع اليوم يشهد بأن هذه المجموعة تضم أهم عمالقة الاقتصاد الجدد الذين يرسمون المستقبل السياسي والاقتصادي العالمي.

***

رغم الجدل الاقتصادي الكبير حول محاذير تصنيف اقتصادات الدول وتبسيطها في مجموعات ترصد التشابه الظاهري وتتجاهل التعقيدات الهيكلية داخلها إلا أن أعمدة مطابخ الاستثمار العالمية ما تزال تترصد الخطوات في بداياتها لمجموعات كثيرة لعل أبرزها ما يطرحه Jim O›nile نفسه حول مجموعة جديدة يبشر بها اسماها مجموعة MINT أو مجموعة النعناع إذا جازت تسميتها بذلك في إشارة لذات المعنى الانجليزي للكلمة التي تختصر أوائل حروف الدول المكسيك وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا، حيث يرى اونيل ان هذه الاقتصادات تمثل نواة لاقتصادات عملاقة ناشئة.

***

يقول اونيل الاقتصادي المخضرم إن هذه الدول لديها مخزون بشري هائل يتبين للراصد أنها تشهد زيادة كبيرة في القوة العاملة المؤهلة للإنتاج وأن بعض دول هذه المجموعة ستحقق المعجزة الصينية في رقم عشري لنسبة النمو، كما أن لديها مواقع جغرافية تتناسب وتغيير أنماط التجارة العالمية، التقارير الغربية التي تتبعت الرائحة التي بدأ اونيل في شمها تؤكد أن ثمة حراكا وتغييرا كبيرا داخل تلك الدول ففي المكسيك تجري عملية إصلاح وتطوير مستمر لقطاعات التعليم والطاقة والسياسات المالية بل وللمؤسسات الحكومية نفسها، كما أن نيجيريا تشهد اصلاحاً تعليمياً يراه السياسيون فيها بوابة لمحاصرة الفساد وارساء قواعد الشفافية والحوكمة، وفي تركيا هناك تطور ملحوظ للفكر الاستثماري، وفي إندونيسيا يوجد تحول صناعي وعمالة مؤهلة واعدة.

محركات الرصد الغربية ترى أن دول مجموعة MINT أو مجموعة النعناع قد تكون مؤهلة للانضمام إلى نادي العشرة الاقتصادات الكبار في العالم خلال 20 أو 30 سنة.

***

في ظل هذا الحراك السياسي والاقتصادي والرصد المحموم لكل خطواته وأنفاسه، يبرز التساؤل عن موقعنا في مساره وعن دور راسمي خرائط مصالحنا داخله، بل أين نحن من بناء مواقعنا المتقدمة في التنافس العالمي ليس من خلال العلاقات السياسية فقط بل الاقتصادية والشعبية فهذه الدول تشهد تحولات كبيرة تتبارى فيها مراكز الرصد والدراسات الاستراتيجية لاستكشاف التحديات التي تضمر في بطونها الفرص، كما أن التساؤل يبرز في المقابل حول من يرصد تحولاتنا ويقرأ تفاصيلها المقبلة، فمجموعة الدول الخليجية التي تحمل نواة مستقبل قادم ما تزال تراوح في مسار السياسة الضيق وتفوت على نفسها فرصة الاتحاد التي ما يزال جرسها يقرع دون مجيب.. ولا بد أن نستوعب مبكراً أن الراكضين يدهسون أولئك الذين ما يزال الحبو ديدنهم!

عبر تويتر: fahadalajlan@

مقالات أخرى للكاتب