24-10-2014

الحضارة لا تُشترى .. والقيم الأخلاقية اجتماعية وثقافية لا تستورد

القراءة في فلسفة التاريخ متعة لا تضاهيها أي متعة.. والغوص في قراءة صفحات التاريخ القديم بما يحفل به من موضوعات ومشاهد توالت أحداثها عبر مختلف العصور ما هو إلا مفتاح لفهم حضارات العالم المتعاقبة خلال حقب زمنية مختلفة.

في دورة التاريخ الإنساني والحضاري..الأحداث تتعاقب والأيام دول والتاريخ سلسلة من حلقات شهد بزوغ فجر حضارات سابقة أفلت ونشوء حضارات أخرى..أفولا ونشوءاً في ظل حركة تاريخية لا تعرف هدوءاً أو سكينة؛ فالأمر في نهاية المطاف يتعلق بواقع ومستقبل أرقى مخلوقات الأرض ألا وهو الإنسان الطامح دوماً إلى الارتقاء والتغيير. تعاقبُ الحضارات حتمية تاريخية.. مساراتها حافلة بانحناءات وتعرجات بانتصارات وهزائم..بنضج وازدهار أو خفوت واضمحلال فلا المنتصر يبقى منتصراً ولا المنهزم يبقى منهزماً.. ومع ذلك تبقى حكايات الصراع المحتدم بين الحضارات والثقافات المختلفة أو التلاقي بينها كنوع من تبادل للإشعاع الفكري والمعرفي شغفاً لكل مولع بقراءة تاريخ الحضارات البائدة أو السائدة.. وأي حضارة من الحضارات لها هويتها الذاتية وشخصيتها المستقلة التي تميزها عن غيرها من الحضارات لذلك لا تقاس أهميتها إلا بمقدار ما تضيفه إلى البشرية من رؤى فكرية نابعة من ذاتها وهويتها.. ومنجزات مادية أنجزتها عقول أبنائها.. وبمقدار ما تقدم للإنسانية من قيم أخلاقية وتقدمية وكل ما من شأنه أن يجعل الإنسان يعيش حياته بوصفه كائناً حضارياً.. وبهذا المعيار تقاس أهمية الحضارات ومدى حضورها وتواجدها على مسرح التاريخ البشري.

في وقتٍ سابق قرأت كتاب (بين الرشاد والتيه) للمفكر الجزائري مالك بن نبي، وهو عبارة عن مجموعة مقالات كُتِبت بنمطٍ مختلف.. الكثير من أفكاره المطروحة تعليق على أحداث ووقائع تاريخية.. اللافت في هذا الكتاب هو ما يتخلل سطور بعض المقالات من عبارات إرشاد وتوجيه للعقلاء من رجال الأمة للخروج من هزائمها وبناء دولها على أساس نظرة واعية عالمة بأحوال نهضة الأمم أو سقوطها.. إلا أن أجمل ما استوقفني من عبارات كاتب سطور (بين الرشاد والتيه) هو قوله (الحضارة لا تشترى من الخارج بعملة أجنبية غير موجودة في خزينتنا.. فهناك قيم أخلاقية اجتماعية ثقافية لا تستورد وعلى المجتمع الذي يحتاجها أن يلدها) ويستطرد المفكر الجزائري مالك بن نبي قائلاً (إن مشكلة كل شعب في جوهرها مشكلة حضارية.. ولا يمكن لأي شعب أن يفهم ويحل مشكلته ما لم يرتفع إلى مستوى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها، إن قراءة تاريخ الحضارات لا تكمن أهميتها في ذاتها.. بل تتمثل فيما تقوم به من وظائف في حاضر من ينتمون إلى التاريخ.. وبالتالي فكل فلسفة لأي حضارة تاريخية لا يمكن لها أن تقوم إلا باستنادها على أساس من فهم واضح ومتميز لمعنى الإنسان وقيمته في العالم الإنساني الإنسان.. هو المحور الجوهري لصناعة تاريخ حضارة أمته.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

مقالات أخرى للكاتب