د. محمد الحمد .. أستاذ العقيدة بجامعة القصيم لـ«الجزيرة»:

أحكام الإسلام لم تختص بتعامل المسلمين فيما بينهم بل هي عامة تظِل جميع الناس على اختلاف أديانهم

بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:

أكد الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد أستاذ العقيدة بجامعة القصيم أن أحكام الإسلام لم تختص بتعامل المسلمين فيما بينهم، بل هي عامة تُظِل جميع الناس على اختلاف أديانهم، فالإسلام دين عملي, واقعي, وليس نظرياتٍ مُغْرِقةً في المثالية التي لا تتلاءم مع واقع الحياة والناس.

وبين د. الحمد أن بعض من المسلمين قد حملهم على تناسي التسامح الإسلامي ما يلاقيهم به بعضُ أهل الملل الأخرى من صلابة المعاملة، وسوء الطوية، وتبييت الشر، وتربص الدوائر، واستغلال ما للمسلمين من تسامح؛ لتحصيل فوائدهم، وإدخال الرزايا على المسلمين مما يبعث المسلمين إلى أخذ الحذر، والمعاملة بالمثل طيلة القرون، حتى أنساهم تسامحهم، جاء ذلك في الحوار معه وفيما يلي نصه:

( في البداية نود إعطاء القراء صورة عامة عن التسامح في الإسلام؟

- الإسلام -كما هو معلوم- هو الدين الخاتم, وهو رسالة الله الأخيرة للبشرية, فلا غرو أن تكون تلك الرسالة شاملة عامة صالحة لكل زمان, ومكان وأمة.

وأحكام الإسلام لم تختص بتعامل المسلمين فيما بينهم، بل هي عامة تُظِل جميع الناس على اختلاف أديانهم؛ ففي شمول الإسلام وعمومه ما يبيِّن كيفيه التعامل مع كافة الطبقات من أهل الإسلام وغيرهم.

وهذا يعنى أن الإسلام دين عملي, واقعي, وليس نظرياتٍ مُغْرِقةً في المثالية التي لا تتلاءم مع واقع الحياة والناس.

والله -عزّ وجلّ- خلق الناس, وقرر أن منهم الكافر, ومنهم المؤمن.

وأمر-عزّ وجلّ- بدعوة الناس إلى الهدى, ولكن لم يُكَلِّف الداعين بإدخال الناس في الدين الحق (إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ) الشورى: 48.

ومن هنا فإن سنة الاختلاف بين الناس قائمة, مقررة في القرآن: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) هود.

ولا يعنى ذلك إقرار الباطل، ولا قبول كل المذاهب أو تسويغها, أو الرضا بها, أو ترك الإنكار عليها, وبيان زيفها، ودعوتها إلى الحق.

وإنما المطلوب في ذلك حسن التعامل مع تلك الاختلافات, واتباع هدي الإسلام بالحوار مع المخالف، والأخذ -في الأصل- بمبدأ الرفق واللين؛ فجماع آداب المعاملة في الدين يرجع إلى الدعوة للدين بالحكمة, والموعظة الحسنة, والجدال بالتي هي أحسن في قالب التسامح بقدر الإمكان تسامحاً لا ينتقض شيئاً من عرى الإسلام, ولا يُجرِّؤ أحد على حرمته وسلطانه؛ فهذا هو التسامح بإيجاز، وتلك بواعثه.

( وما أصل كلمة التسامح ومفهومها الاصطلاحي، ومتى راج هذا المصطلح؟

- التسامح في اللغة: مصدر سامحه إذا أبدى له السماحة القوية.

وأصل السماحة: السهولة في المخالطة والمعاشرة, وهما لين في الطبع في مظانّ تكثر في أمثالها الشدة.

وفي البخاري أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال: «رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، إذا اشترى، إذا اقتضى».

والمراد بالتسامح هنا إبداء السماحة للمخالفين للمسلمين بالدين, وهو لفظ اصطلح عليه العلماء الباحثون في الأديان من المتأخرين في أواخر القرن الماضي أخذاً من الحديث: «بعثت بالحنفية السمحة» أخرجه الإمام أحمد.

فقد صار هذا اللفظ حقيقة عرفية في هذا المعنى.

وربما عبروا عنه سالفاً بلفظ:(تَسَاهُل)

وهو مرادف له في اللغة, ولكن الاصطلاح الذى خَصَّ لَفْظَ التسامح بمعنى السماحة الحاصلة تلقاء المخالفين في الدين كان حقيقاً أن يترك مرادفه في أصل معناه؛ فلذلك هجروا لفظ: (التساهل) إذ كان يُؤْذِنُ بقلة تمسك المسلم بدينه؛ فتعيَّن لفظُ التسامح للتعبير عن هذا المعنى.

وهذا لفظ رشيق الدلالة على المعنى المقصود لا ينبغي استبداله بغيره -كما يقول ابن عاشور-.

ثم صار لهذه الكلمة - التسامح - دوي، وشهرة، وبريق.

( وما أهمية البحث في تسامح الإسلام؟

- البحث في تسامح الإسلام -كما يقول ابن عاشور- من أهم المباحث للناظر في حقائق دين الإسلام؛ فإن كثيراً من العلماء والمفكرين خصوصاً من غير المسلمين لا يتصور معنى سماحة الإسلام حَقَّ تصورها.

وربما اعتقدوا أنها غير موجودة في الإسلام, وربما اعتقد مثبتوها أحوالاً لها تزيد في حقيقتها، أو تنقصها عما كانت عليه.

ولبعض هؤلاء العذر في هذا الخطأ؛ لأنهم قد يشاهدون من أحوال عامة المسلمين في كثير من عصور التاريخ ما يجعلهم يظنون أن ذلك حقيقة دين الإسلام, فيخالفون بذلك صورة الإسلام الحقيقية التي قامت عليها البراهين والشواهد.

على أن بعضاً من المسلمين قد حملهم على تناسي التسامح الإسلامي ما يلاقيهم به بعضُ أهل الملل الأخرى من صلابة المعاملة، وسوء الطوية، وتبييت الشر، وتربص الدوائر، واستغلال ما للمسلمين من تسامح؛ لتحصيل فوائدهم، وإدخال الرزايا على المسلمين مما يبعث المسلمين إلى أخذ الحذر، والمعاملة بالمثل طيلة القرون، حتى أنساهم تسامحهم.

ولكن هذا لهُ مجال آخر؛ فلا يكون ذلك باعثاً على تحريف معنى التسامح.

على أن هذه المعاملة التى لقيها المسلمون في كل العصور في وقت ظهور الدين لم يكن حائلاً بين المسلمين وبين تخلُّقهم بخلق التسامح، واكتساب فضائله مع العلم بما ينالهم من جَرَّائه من متاعب الحذر؛ فإن محاسن الخلال لا يشينها ما قد يضيع بسببها من المنافع، وعلى المتخلق بالفضائل ألا ينبذها لذلك، ولكن أن يأخذ الحيطة لدفع مكارهها.

ومن هنا كانت الحاجة ماسة للبحث في موضوع التسامح؛ حتى لا يُجْنَحَ به إلى الإفراط أو التفريط.

( الناظر في أحوال بعض المسلمين - خصوصاً في العصور المتأخرة - قد لا يتصور وجود التسامح في الإسلام؛ فكيف تدفع هذه الشبهة؟

- لا ينبغي للناظر لدين الإسلام أن ينطر من زاوية ما يلقاه من أحوال بعض المسلمين في بعض فترات التاريخ, خصوصاً مثل هذه العصور المتأخرة؛ إذ إن من الظلم, وقصور النظر أن تُجْعل حالُ بعضِ المسلمين هي الصور التي تمثل الإسلام؛ فَيُظنَّ أن الإسلام لم يُهذِّب طباع أهله, ولم يرفع عنهم الذلة, والقسوة؛ لذا كان لزاماً على من يريد الحقيقة بعدل وإنصاف أن ينظر إلى دين الإسلام من خلال مصادره الصحيحة من كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما كان عليه سلف الأمة الصالح، وأن ينظر إلى الإسلام من خلال الكتب التي تتحدث عنه بعدل وعلم، فسيتبين له أن الإسلام يدعو إلى إسعاد البشر، وإضفاء السلام والأمن، وإشاعة العدل والإحسان.

أما انحرافات بعض المنتسبين إلى الإسلام -قَلَّتْ أو كثرت- فلا يجوز بحال من الأحوال أن تحسب على الدين، أو أن يعاب بها، بل هو براء منها، وتبعة الانحراف تعود على المنحرفين أنفسهم؛ لأن الإسلام لم يأمرهم بذلك؛ بل نهاهم وزجرهم عن الانحراف عما جاء به.

ثم إن العدل يقتضي بأن يُنظر في حال القائمين بالدين حق القيام، والمنفذين لأوامره وأحكامه في أنفسهم وفي غيرهم؛ فإن ذلك يملأ القلوب إجلالاً ووقاراً لهذا الدين وأهله؛ فالإسلام لم يغادر صغيرة ولا كبيرة من الإرشاد والتهذيب إلا حثَّ عليها، ولا رذيلة أو مفسدة إلا صدَّ عن سبيلها.

وبذلك كان المعظمون لشأنه، المقيمون لشعائره في أعلى طبقة من أدب النفس، وتربيتها على محاسن الشيم، ومكارم الأخلاق، يشهد لهم بذلك القريب والبعيد، والموافق والمخالف.

أما مجرد النظر إلى حال المسلمين المفرِّطين في دينهم، الناكبين عن صراطه المستقيم - فليس من العدل في شيء، بل هو الظلم بعينه.

( وما منشأ التسامح في الإسلام؟

- التسامح في الإسلام - كما يقول ابن عاشور - وليد إصلاح التفكير ومكارم الأخلاق: اللذين هما من أصول النظام الاجتماعي في الإسلام.

وهذا التسامح ناشئ من صحة الاعتقاد الذي يأمر صاحبه بكل خير, وينأى به عن كل شر, ويضبط عواطفه, ويجتث من نفسه كافة الرعونات.

ولا ريب أن العقل السالم من الشهوات والشبهات يسوق صاحبه إلى العقائد الحقة, ويكسبه الثقةَ بعقيدته, والأمنَ من أن يزلزلها مخالف.

غير أنه ربما أحس من ضلال مخالفه بإحساس يضيق به صدره, وتمتلئ منه نفسه تعجباً من قلة اهتداء المخالفين إلى العقيدة الحقة, وكيف يغيب عنهم ما يبدو له هو واضحاً بيناً؛ فههنا يجيء عملُ مكارم الأخلاق, فيكون من النشأة على مكارم الأخلاق, ومن التأدب بآداب الشرع الحكيم مَعْدلٌ لذلك الحرج, وشارحٌ لذلك الصدر من الضيق؛ فيتدرب بذلك على تلقي مخالفات المخالفين بنفس مطمئنة, وصدر رحب, ولسان طلْق؛ لإقامة الحجة, والهدى إلى المحجة دون ضجر ولا سآمة.

وقد جاءت وصايا الإسلام مثيرةً لهذين الأصلين، وهما أصل الثقة بصحة العقيدة, وأصل مكارم الأخلاق في نفوس أبنائه, فأما إثارة أصل الثقة بصحة العقيدة دون التفات لعقيدة الآخرين فبمثل قول الله -تعالى-: (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) النمل: 79-80.

وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة: 105.

( ما القواعد العامة للتسامح في الإسلام؟

- لقد أرسى الإسلام القواعد العامة للتسامح؛ حيث أسَّس الأسس الراسخة, وعَقَد المواثيقَ المتينة, وفصَّل تفصيلاً بَيِّناً بَيْن واجب المسلمين بعضهم بعضاً، وبَيْن حسن المعاملة لأهل الملل الأخرى؛ فالقرآن والسنة يُعلِّمان المسلمين أن الاختلاف ضروري في جبلَّة البشر؛ فإذا استحضر المرء ذلك، وتخلَّق به صار ينظر إلى الاختلاف نَظَرَه على أنه تفكير جِبِلِّي تتقارب فيه المدارك إصابةً وخطأً، لا نَظَرَهُ إلى الأمر العدواني المثير للغضب.

قال الله -تعالى-:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هود: 118-119.

وقال: (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر) الكهف:29.

وقال: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ) الحج:67.

إلى غير ذلك من الآيات في هذا السياق.

ولا ريب أن ذلك أساسٌ خُلُقيٌّ عظيم, وهو أن يكون المسلم يضع الأشياء مواضعها, ويحكم لها بأوصافها، لا أن يكون مُنْدَفعاً إلى جميع العوارض التي تعرض له.

ومن القواعد العامة العظيمة التي أرساها الإسلام للتسامح - حثُّ المسلمين على العدل والإحسان في معاملة الطوائف غير المسلمة إذا اختاروا جوارنا، ولم ينزعوا إلى منوأتنا.

ومن أجلى الأدلة في ذلك قول الله - تعالى -: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

فالآية تحث على رعاية العدل في معاملتهم، وتدل بعد هذا على فضيلة البر بهم.

وإذا عبرت عن هذا المعنى بعدم النهي عنه فلأنها قصدت الرد على ما يسبق إلى الذهن من أن مخالفتهم للدين تمنع من برهم، وتسهل الاستهانة بحقوقهم.

ولقد جرى أمراءُ الإسلامِ العادلون على سيرة التسامح والعدل مع أهل الذمة؛ فكانوا ينصحون لنوابهم بالعدل، ويخصون أهل الذمة في نصيحتهم بالذكر.

وأحسن مثل على هذا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وهو يومئذ الوالي على مصر.

ومما جاء في هذا الكتاب: «وإن معك أهلَ ذمةٍ وعهد، وقد وصى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بهم».

ومنه «وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة».

احذر يا عمرو أن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك خصماً؛ فإنه من خاصمه خصمه».

من الأحاديث الثابتة في هذا الصدد قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من قذف ذمياً حد له يوم القيامة بسياط من نار».

فانظروا إلى مكانة العهد في نظر الإسلام، وزنوها بمعاهدات يأخذ فيها بعض الأقوياء على أنفسهم احترام حقوق شعب إسلامي حتى إذا أمسكوا بناصيته لم يستحيوا أن يعبثوا بالأرواح، وتجول أيديهم في الأموال، ويعملوا جهدهم على أن يقلبوهم إلى جحود بعد إيمان، ويغضبون بعد هذا كله على من يسميهم أعداء الإنسانية، وقابضي روح الحرية.

كما أن فقهاء الإسلام أدركوا رعايةَ شارعِ الإسلامِ لأهل الذمة، وحرصَه على احترام حقوقهم؛ فاستنبطوا من أصوله أحكاماً جعلوا المسلم وغير المسلم فيها على سواء.

ومن هذه الأحكام أنهم أجازوا للمسلم أن يوصي أو يقف شيئاً من ماله لغير المسلمين من أهل الذمة، وتكون هذه الوصية أو الوقف أمراً نافذاً.

ولما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض» قالوا: البيع على بيع غير المسلم الداخل في ذمة الإسلام كالبيع على بيع المسلم.

والخطبة على خطبته كالخطبة على خطبة المسلم: كلاهما حرام.

وإذا ذكر الفقهاء آداب المعاشرة نبهوا على حقوق أهل الذمة، وندبوا إلى الرفق بهم، واحتمال الأذى في جوارهم، وحفظ غيبتهم، ودفع من يتعرض لأذيتهم.

( نريد شهادة من التاريخ عن تسامح المسلمين؟

- أما شهادة التاريخ عن تسامح المسلمين فظاهرة؛ فلقد عاش الذميون وغيرهم في كنف الدولة الإسلامية دون أن يتعرض أحد لعقائدهم وديانتهم.

وتاريخ الإسلام الطويل شاهد على أن الشريعة وأهلها قد كفلوا لأتباع الأديان الذين يعيشون في ظل الإسلام البقاء على عقائدهم.

ومعلوم لدى القاصي والداني أن هذا لم يكن موقفَ ضعْفٍ من دولة الإسلام, بل كان هذا هو مبدؤها حتى حين كانت في أوج قوتها.

قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور-رحمه الله- بعد أن قرر تسامح المسلمين مع غيرهم؛ قال: -صلى الله عليه وسلم- وإن شئت فَلُذْ بشواهد التاريخ في عصور الإسلام الجارية على تعاليمه الحقة، والمنزهة عن الأفن والتحريف تَجِدْ مصداقَ ما ذكرناه.

لقد مازج المسلمون أمماً مختلفة الأديان دخلوا تحت سلطانهم من نصارى العرب، ومجوس الفرس، ويعاقبه القبط، وصابئة العراق، ويهود أريحاء, فكانوا مع الجميع على أحسن ما يعامل به العشيرُ عَشيرَه.

إلى أن قال: ولم يحفظ التاريخ أمة سَوَّت رعاياها المخالفين لها في دينها برعاياها الأصليين في شأن قوانين العدالة، ونوال حظوظ الحياة بقاعدة: لهم مالنا وعليهم ما علينا مع تخويلهم البقاء على رسومهم وعاداتهم - مثل أمة المسلمين؛ فحقيق هذا الذي نسميه التسامح بأن نسميه العظمةَ الإسلاميةَ؛ لأنا نجد الإسلام حين جعل هذا التسامح من أصول نظامه قد أنبأ على أنه مليء بثقة النفس، وصدق الموقف، وسلامة الطوية، وكل إناء بالذي فيه يرشح, وقد أعرب عن ذلك كله قوله -تعالى-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) يوسف: 108.