25-10-2014

البيئة الداعمة لأسر متماسكة !

ضحايا الأسر المضطربة والمفككة يعانون كثيراً لإعادة تكيّفهم مرة أخرى داخل الأسر التي لفظتهم خارجها، وتخلّت عن مسؤولياتهم لجهات أخرى بسبب عدم القدرة على إعادة تربيتهم تلك التربية التي تمنحهم الأمان العاطفي من أقرب الناس لهم! وهذه لأسباب كثيرة من أهمها (افتقاد البيئة الداعمة) والتي تتضمن الظروف الحقيقية التي يعيش فيها الفرد وتؤثّر فيه ويؤثّر فيها «فالوسط الذي يعيش فيه الإنسان من زمان ومكان وأحداث وأشخاص وأفكار ومواقف ومثيرات واستجابات وردود أفعال لها دور كبير في تشكيل الشخصية إيجاباً وسلباً، ولكن عندما يفتقد الدعم الإيجابي في ذلك الوسط البيئي منذ طفولته فإنها ستكون مدمرة لحياته وستصدر منه تصرفات قد تفوق توقّعات من حوله مما سيزيد الأمر سوءاً خاصة الأبناء في مرحلة المراهقة وما يعانون منه في كثير من الأسر المفككة والعنيفة في نهجها التربوي السائد داخل الأسرة! وخصوصاً أن من سمات البيئة الداعمة البناءة أنها بيئة تقوم على الحب والحنان، لذا فإن أي بيئة تقوم على القساوة والشدة في التعامل لا تعتبر بيئة داعمة، بل قاتلة للنمو السوي للأبناء! لذلك فإن معاناة نزلاء الدور الاجتماعية مثل (دور التوجيه الاجتماعي، دور الأحداث، دور الحماية، دور الضيافة الاجتماعية للفتيات) عظيمة لأننا لو تابعنا تطور تاريخ طفولتهم ومراهقتهم وحتى سن الشباب، لاكتشفنا ذلك الكم الهائل من المواقف السيئة والصدمات الحياتية التي مروا بها، وقد تكون من أقرب الناس لهم كمثل الوالدين، مما يزيد الوقع على قلوبهم سوءاً وألماً!

فهذه الفئات التي نعتبرها ضحية البيئة الصادمة لهم ماذا نتوقّع منها كسلوكيات وتطلعات وخطط مستقبلية في فترة زمنية بسيطة قبل تأهيلها التأهيل المناسب لحالتها النفسية والسلوكية؟! وماذا نتوقع منها سواء تم إيداعها إحدى الدور الاجتماعية لتعديل سلوكها من جديد وإبعادها عن بيئتها المنحرفه أو المفككة أو الخطرة وأقرب الناس لها يرفضها كرهاً وليس عقاباً على ما بدر منها، ويرفض التعاون مع الجهات الاجتماعية لإعادة تشكيلها السلوكي؟! بل ماذا نتوقّع من كثير من ضحايا العنف الأسري في فترة بسيطة تجاه ما يقدّم لهم من خدمات متنوّعة، لكنهم من الداخل مجروحون ومصدومون من أقرب الناس إليهم، والذين تركوهم عرضة لأنواع مختلفة من الإيذاء! وماذا نتوقّع من حالات نساء يتم رفض استقبال أسرهن لهن بعد انتهاء محكوميتهن بخلاف لو كان السجين من ذكور تلك الأسرة!؟ فهؤلاء ضحايا البيئة المحيطة بهم مليئة بالسموم، ولا يمكن إعادة تشكيل شخصياتهم نحو السواء بين يوم وليلة بدون دعم وتعاون من أسرهم حتى لو بذلت الجهات المسؤولة جميع ما لديها من جهود من أجل انتشالهم من آثار الصدمات الماضية التي مروا بها، وقد تنجح تلك الجهود لفترة زمنية بسيطة لكن لا يدوم أثرها بدون تعاون فاعل من أسرهم التي ينتمون لها ويحملون اسمها خاصة عندما يتم منحهم فرصة للتكيف الاجتماعي خارج أسوار البيئة المؤسسية التي كانت تُشكل حماية لهم طوال سنوات الرفض الأسري التي عانوا منها! فالحب إذا انتزع من داخل الأُسر تتحول إلى قبور تدفع أفرادها للهروب للخارج مما يعرضها لما هو أسوأ من معاناتها الأساسية!

moudyahrani@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب