25-10-2014

التحرش غير .. والاغتصاب غير !!

أقرأ بعض المقالات والمواد الصحافية، وأتابع برامج تلفازية تتحدث عن التحرش الجنسي، فأجد أن هناك لبسًا واضحًا لدى بعض الإعلاميين والكُتّاب ما بين التحرش والاغتصاب، وأجد أن كلا الفعلين يتم وضعهما في خانة واحدة، خصوصًا بعد أن كثر الحديث حول نظام التحرش الجنسي الذي ما زال محبوسًا في أدراج مجلس الشورى بسبب وجود عضوات وأعضاء يحاولون إجهاض أي مشروع يرفع من مكانة المرأة وأي قانون ينصفها.

فالتحرش الجنسي يأتي من خلال المضايقة اللفظية أو الفعلية في محاولة اللمس أو الاقتراب أو من خلال إيماءات بالوجه أو بالأيدي أو من خلال الاتصال الهاتفي أو المراسلة عبر وسائل الاتصال الحديثة والتي فتحت المجال بشكل أوسع لتمرير محاولات التحرش.. بينما الاغتصاب هو الشروع في الجريمة سواء اكتملت أم لم تكتمل، وهو فعل كامل أو جزئي مع الضحية، وهذا له قوانينه الرادعة والمعمول بها لدى الجهات الأمنية والعدلية.

إذن علينا أن نتفق على شكل ومفهوم التحرش الجنسي ضد النساء والأطفال وأنه جريمة تحتاج إلى سن قوانين وأنظمة تردع استفحالها في المجتمع، وتجعل من يحاول فعل هذا أن يُفكر ألف مرة قبل أن يفعل هذا.

من هذا المنطلق، فإن سن قوانين تردع جريمة التحرش الجنسي بات ضروريًا ومهمًا للحفاظ على التوازن الاجتماعي، فعملية التحرش تُحدث خلخلة نفسية لدى الضحية، وانتشارها يعني وجود مشكلة نفسية جماعية داخل المجتمع تظهر تأثيراتها على المدى القريب والبعيد أيضًا، وظهور القوانين كذلك لا يكفي فهو يحتاج إلى متابعة مستمرة، وهذه المتابعة لن تحدث دون إيجاد منظمات وجمعيات مدنية متخصصة في متابعة التحرش الجنسي تعمل على محاور تختلف عن التي تعمل عليها لجنة الحماية الأسرية حاليًا.. فوجود منظمة مدنية أكثر تخصصًا يجعل موضوع المتابعة مع الجهات الأمنية أمرًا أكثر سهولة وسلاسة، بالإضافة إلى مقدرة المنظمة أو الجمعية المتخصصة على قياس نسبة انتشار هذه الظاهرة ووضع الحلول لمحاصرتها، أضف إلى هذا أن يكون من ضمن اختصاصاتها عملية التأهيل النفسي بعد التحرش وكذلك بعد الاغتصاب، فمن أنواع التحرش من يوقع الضحية في حالة نفسية صعبة تستلزم التأهيل.. أما الاغتصاب فبلا أدنى شك ستكون ضحيته في حالة نفسية حرجة، ونحن في برامجنا نتجاهل كثيرًا عمليات التأهيل اللاحقة سواء في هذا السياق وغيره، فعلى مستوى البرامج الأخرى التي تستلزم التأهيل اللاحق لا نجد هذا، وهي فكرة شبه مفقودة في مجتمعنا.

قد تكون المرأة أكثر توازنًا من الطفل من حيث آثار التحرش، لذا ينبغي الفصل بين التحرش بالمرأة والتحرش بالطفل الذي لن يعود طبيعيًا إلا من خلال العمل التأهيلي المكثف، فليس بالسهل على الطفل تعرضه لهذا الموقف الذي سيركن في ذاكرته مدى الحياة وسيتحكم في سلوكياته -إن لم يجد التأهيل الواعي- حتى شيخوخته، لذا فعملية التثقيف والتوعية للطفل مهمة سواء على مستوى الأهل، أو على مستوى البرامج المدرسية، وهاتين الجهتين لن تتمكن من تقديم الوعي مالم تكن ملمة بكل جوانب وأثار التحرش، من هنا، فالمنظمات المدنية هي -وحدها- القادرة على التأهيل الأسري وتأهيل الجهات التعليمية لتكون قادرة على الإلمام بأركان هذا الموضوع، كل هذا لن يحدث ما دام هناك من يسمع ويتجاوب ويهادن من يقف في وجه مشروع قانون التحرش.

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب