25-10-2014

سوق المال تُدرج الشحاذة كأصل مالي

عقود الصيرفة المتأسلمة عقود غامضة بين المقترض والمقرض. وأصل الغموض هو أنّ ما يكتب في العقود يخالف كل ما يُقال مهنياً وتعليمياً وإعلامياً، ومسكوت عنه رسمياً إلا سوق المال فهي تقر بالضبابية رسمياً.

والعقود تُصاغ لصالح من يدفع قيمة الاستشارات المؤسلمة المُنقية، فالمستشار يعمل لمن يوظفه. ولهذا وجدت الهيئات الرقابية الرسمية. والهيئات الرقابية الحكومية في العالم كله هي التي تقف أمام ذلك إلا في سوقنا المالي، فقد تحوّلت سوق المال الجهة الرقابية لتأكيد الشفافية إلى جهة لمساندة الغموض وتمييع الحقيقة وتضليل المستثمر والمجتمع.

ودعونا نتفاءل خيراً ونفترض الخير إن شاء الله. فمواطن يريد الاستثمار واحتار بين الأسهم والصكوك لمشروع مطروح للاكتتاب، وقد استبعد السندات فهي ربا والعياذ بالله كما يقول إمام المسجد. والحكومة أفضل من يوثق به، فلجأ لتداول ليفهم حقيقة الصكوك فوجدها غامضة وتحتمل أمرين. الأول معقول والثاني غير معقول. فأخذ بالمعقول، ففهم على أنها أسهم ممتازة، ويؤكد فهمه هذا أنّ الشيخ المطلق يؤكد أنّ الصكوك كالأسهم الممتازة في محاضرته عن الصكوك وبركاتها أمام حشد عظيم في ندوة الجامعة الإسلامية بمدينه الرسول عليه السلام.

فيستحيل توقع الاحتمال الثاني للفهم وهو كون الصك لا وجود له قانونياً وأنه وضعه لا مالك ولا مدين ولكنه موعود بشيْ من العوائد، ما هو إلاّ وضع شحاذ عند بستان يرجو الحصاد، أو مختلس يقفز الأسواق لينشل ما سهل.

فاختار المسكين الصكوك فهي مباركة من المشيخة، ولم يسمع أحد قط يطعن في بركاتها. ثم ارتفعت قيمة المشروع كثيراً فارتفعت أسهم المشروع كثيراً بذلك. وارتفعت أرباح حملة الأسهم ارتفاعاً عظيماً. بينما صكوكه لم تظهر البركة عليها، فهي باقية على نفس قيمتها وعوائدها ثابتة لا تتغير إلاّ أنها أصبحت تنقص قليلاً . بالضبط كعوائد جاره الذي اختار شراء بعض سندات المشروع نفسه التي مولت المشروع بثلث رأس المال، والشيخ يقول يجوز الربا بثلث المال، والشيخ أعلم.

وهذا جار السوء المرابي بشراء السندات، يقول إن مؤشر الفائدة في السوق السعودي - السايبر - قد انخفض فانخفضت عوائد سنداته. ولهذا أيضاً انخفضت عوائد الصكوك، فكلاهما مرتبط تماماً بالفائدة وكلا العائدين فائدة محسوبة بنفس الطريقة يسمون أحدها فائدة والأخرى إجارة.

فجاء المسكين لسوق المال يستوضح الأمر، فالشيخ يقول دائماً لا تأخذ إلا ممن تثق بدينه وأمانته. وجاره مرابٍ يشتري السندات، والشيخ يقول من يرابي لا دين له إذاً ولا أمانة له. وكيف يكون له دين ودرهم ربا كستة وثلاثين زنية وكيف يوثق في أمانته وهو يرابي، وأدنى الربا أن يأتي الرجل أُمه تحت أستار الكعبة. فتعوّذ بالله من جار السوء وذهب لسوق المال.

قالت له سوق المال أوَلم تقرأ تعريف الصكوك في صفحة تداول. فالفروق واضحة بين تكييف الصك والسند والسهم. فالسند هو دَيْن كسندات البنك الأهلي الحكومية الربوية. وأما السهم فهو ملكية. وأما الصك فهو لا دين ولا ملكية هكذا (سبهللة) لكنه مشاركة في إيراد كالصكوك التي تصدرها البنوك المباركة المتأسلمة الممتنعة لورعها عن المشاركة في اكتتاب الأهلي. ففرح المسكين فقال: طيب فصكوكي لماذا لم ترتفع أسعارها مع ارتفاع قيمة أصول المشروع. ولماذا لا تشارك الصكوك في إيرادات المشروع وقد تضاعفت إيراداته مائة ضعف. فلمَ لا أشارك كما جاء في التعريف. قالوا: أشحاذ وطرار. التعريف واضح «مشاركة في إيراد» بلا ملكية ولا دين أي نتصدق عليك. ولا يليق أن نقول علانية إن وضع الصك كوضع الشحاذ وقد أخرجه مشيخة الأسلمة ونحن الهيئة الرقابية الرسمية صادقنا صحته وخلوه من الضبابية.

وقالت له سوق المال: أوَلم تقرأ كذلك على صفحة تداول أن الفرق في العوائد هو أنّ عوائد السند نسبة ثابتة وعوائد السهم غير محددة، وأما عوائد الصك فهي أرباح مشتركة. قال طيب فلمَ لا تشترك صكوكي معهم في هذه الأرباح الفلكية. ولمَ هي كحال عوائد السندات الربوية بالضبط، وقد تناقصت مؤخراً. وعوائد السندات تتناقص لأنه لا بركه فيها ولكن صكوكي يقول الشيخ إنها مطهرة ونقية وفيها البركة.

قالوا هذا الظاهر مصدق من جد. فأخذوه في المختصر وقالوا له أحمد ربك أن المشروع لم يخسر، فلو خسر فليس لك حق في شيء. فحملة السندات سيأخذون حقوقهم بعد تصفية المشروع أولاً، وقد يخسرون ولا يبقى لهم شيء. ولو بقي مال فسيأخذه حملة الأسهم بنص العقد،كما حصل في أمريكا فتعذر المتخصص الشرعي القري عندها بالجهل كالعادة. فالصك ليس إلا شحاذاً بحسب التعريف. ليس مالكاً ولا دائناً ولا التزام له إلا وعد عام بالمشاركة في الأرباح، فهو كوعد لشحاذ في حال الربح والعافية. ويصبح كمختلس في حال الخسارة. فطالما الأمور طيبة كوضعك والبترول موجود فيعاملونك كالسند وأحمد ربك، تراها إن شانت فما لك إلا الطرد. وما تجد من يبكي لك. فمشيخة الأسلمة سيتعذرون بالجهل كما فعلوا في دبي وغيرها. وتتعذر تداول بأنها تأخذ من نشرات تصادق عليها هيئة سوق المال. وتتعذر سوق المال بأن تداول شركة ليست منها وما يكتب فيها لا يعبر عنها. وهي شركة خاصة فليس من واجبنا مراقبة صحة معلوماتها.والمواطن هو المسئول على أن يميز صحة معلومات تداول فهي شركة خاصة. وإذا رجعت للشيخ ضايعة فلوسك قال لك الظاهر أن هذا من ذنوبك وتبرأ منك، كما طاروا مع الطالبان ثم شتموها وبدعوها عندما سقطت.

وأقول حقاً ما أدين الله به: كما فعلنا في أفغانستان فنحن ندفع ثمنه غالياً إلى اليوم وغداً، فإنّ تحريم الحلال والتآلي على الله وتقديم الانتصار للنفس على الانتصار لله، قد أنتج صيرفة الأسلمة التي لم تترك باباً من أبواب الحياة في المجتمع إلا وأفسدت فيه، أقلّت منه أو أكثرت. فقد جعلت هذه الصيرفة عدم الوضوح والحيل في الأنظمة أصلاً. وأفسدت منطق كل من يتعامل معها، قانوني كان أو تجاري أو مالي. كما أفسدت ذمم كثير ممن ينتفعون منها، وكثير يعلمون دجلها وقد استمرؤا دجلها، وأصبح الدجل في الدين والدجل على الناس أمراً طبيعياً بل هو من الورع والدين والحصافة. كما أفسدت منطق المجتمع الذي يسمع قول مشيخة الأسلمة، بينما يرى شيئاً آخر، وقد قيل له إن الشرعي المتخصص في الأسلمة يستحيل أن يكذب فيبرر المجتمع لنفسه التاقض بمنطق منقلب فينقلب فهمه. وسهلت صيرفة الأسلمة الالتفاف والتخارج عن حمل المسئولية، فهي حيل تورث حيلاً. وعقدت المُسائلة والتحقيق، فلا يدرك الحقيقة. فالذي يقال في كل ندوة ومحاضرة ويكتب في كل كتاب وبحث لا وجود له في التطبيق. حتى أصبح لا يستطيع أن يتصور عقل أن يكون هناك كذبة كبرى بهذا المستوى، وهي تُردد في كل مكان ومن كل أحد وبهذه الضخامة وبهذه الجرأة، بينما المجتمع بهيئاته الرسمية، الشرعية والرقابية، إما مسانده بقول أو بسكوت أو بتنظيم. وتقوم الجامعات صروح العلم بالترويج لها وتجتهد في تدريس هذه الكذبة الكبرى، فتختلط عقول الجيل القادم. والإعلام يركض فيها وينفخ في نارها.

لا يتخيل أحد والله أن هذا هو الحادث والواقع في صيرفة الأسلمة. و تمكن كذبتهم الكبرى على وضوح كذبها هو الذي أوصل جرأتهم إلى أن يحذروا في طول البلاد وعرضها، تحذير النذير العريان من اكتتاب البنك الأهلي ومن اتهام الدولة وبعض جهاتها والمجتمع بالربا. في عرض عضلات، وتهديد فتوات. ولسان حالهم يقول من عنده شك فليراجع تعريف الصكوك في تداول بمباركة هيئة سوق المال. فمن يقف في مرمانا نقذفه كما قذفنا مؤسسة النقد والتقاعد والتأمينات. وإن جرؤ شيخ كابن عثيمين رحمه الله بوصفه لها بأنها أسوأ من حيل اليهود، تصدى فرساننا له ولكل ناصح أمين بعبارات نارية مثل قول فارسنا «ما هم إلا شياطين لا يأمرون إلا بالمنكر ولا ينهون إلا عن المعروف». فمن أراد السلامة فليحذو حذو سوق المال وليخرس كما خرس الذي ينكر منع زواج الصغيرة ويقيم الدنيا على الكاشيرة. فمن ينازع سلطة صيرفة الأسلمة جعلناه عبرة كالبنك الأهلي.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

مقالات أخرى للكاتب