26-10-2014

كيف نحقق الثقة؟

لست مع اللجوء إلى الإعلام الغربي لاستدرار الدعم والأضواء. في رأيي أنّ دعامة الأمن الفكري واتضاح الرؤية هي في الأمن الإعلامي. وبناء الثقة بالإعلام المحلي .. وهذا يتطلب التوقف عن محاولة صبغه بأي لون مفضل.

الولاء والانتماء يتطلب تحقيق الثقة بين المواطن والمسؤول.. وبناء الشعور بأنّ المسؤول يهتم ويصغي للمواطن ويتلمس مواضع شكواه. حتى الطفل الصغير يفقد ثقته في فهم الكبار وتفهمهم له حين يصرون أنه «لا يتألم» والطبيب يعطيه إبرة أو علاجاً مؤلماً.

قضايانا المهمة ليست كلها سياسية, كما يظن البعض, أو أدبية كما يرى البعض الآخر, ولا هي كلها جدل مطبوخ حول هويتنا وطنية أو مذهبية, ولا مصداقية الفتاوى، ولا علاقات عولمية ولا قومية ولا محلية خالصة. هي خليط من كل هذه الروافد تصب في تكوين معرفة الفرد وعلمه ورأيه وبالتالي خياراته لانتمائه الفكري قبل أي انتماء آخر.

وهذا يطرح القضية الأهم من كل القضايا : الأمن الفكري . حيث أهم قضية بين قضايانا هي من يصدق من؟ ولماذا ؟ وماذا يترتب على ذلك .

في الغرب حيث التعددية سمة الثقافة المجتمعية الشائعة, تركز وسائل الإعلام عامة على الجانب الإخباري - وإن اتهمت بخلطه بشيء من توجيه الرأي العام بصورة غير مباشرة خاصة في ما يتعلق بالسياسات والمشاركات في ما يحدث خارج الحدود - وتترك مسألة تذوق الأدب والفن واختيار الدين والمذهب خياراً شخصياً.

في الشرق يظل الإعلام يتمسك بمظهر المسؤول عن تفاصيل الإخبار, ولكن تظل مصداقيته مجروحة ومشكوكاً فيها، وما ينقله من تفاصيل أو يخفيه يجعله في رأي الناس مصدراً غير موثوق به فيظل التعليق المتشكك بـ«كلام جرايد موجه من فوق» سارياً حول أي خبر. ولاشك أن متابعة العالم في القارات البعيدة من آسيا لأفريقيا مروراً بالشرق الأوسط للبي بي سي ومونت كارلو سابقاً والسي أن أن وفرانس 24 لاحقاً يؤكد هذه الملاحظة.

بينما يشك الجميع بما في ذلك المواطنون في نزاهة صحفنا وتعليقات مذيعينا !

المجتمعات تمارس ثقافة التعايش مع المتناقضات وتلقين المثاليات وممارسة الأعراف والتقاليد ومحاولة القفز فوق القوانين المفروضة رسمياً والمثاليات المعلنة حين تتضارب مع المصالح الفردية والفئوية الخاصة.

وحتى وقت قريب, كان المواطن والمسؤول يتساويان في تجاوز القوانين الداخلية, التناقض بين المثاليات المعلنة والتصرف الخاص والثقة بمصادر الإعلام الخارجي. اليوم يسود علاقة التصديق والثقة المطلقة بالمصادر الغربية بعض الشك مبنياً على نظرية المؤامرة و»من المستفيد من تجريمنا» و»الموساد أقدر». وأعترف أنني مثل غيري أميل إلى ما يبرئنا من التهم .

حين تعطى المصداقية إلى مصدر خارجي لا يخلو من تفضيلات مصالحه الخاصة, وتختفي القدرة على الثقة بالمصادر الداخلية, نواجه جميعاً تداعيات السؤال المصيري: كيف نحمي الوطن والمواطن من غش المصادر الخارجية في ما يتعلق بنا وبمصالحنا وبأمننا ؟

سؤال يعيدنا إلى مصيرية ضمان المحافظة على الأمن بكل أشكاله.

الأمن العام ؛ الذي يضمن لكل مواطن حمايته من تجاوزات أو اعتداء مواطن آخر من الأقربين أو الأبعدين يعطي نفسه حق التعدي على آخر لأي سبب. الشعور بعدم الأمن يخترق درع الانتماء ويفتت العلاقة بين الوطن والمواطن ويحول أبناء الوطن إلى احتمالات خلايا سرطانية.

والأمن الفكري؛ مناهج التعليم التي تربي في الصغار قدرة التفكير والتمييز بين المنطقي واللا منطقي وتصبح درعاً يحمي الشباب من المترصدين لاستغلال فورة عنفوانهم وإحباطاتهم . الدرع الذي يحمي المواطن في الداخل والخارج من تلاعب ذوي المصالح السياسية الخاصة وأدلجته وتسخيره ليعمل جاسوساً ضد مصالح وطنه، أو إرهابياً مستعداً لتفجير نفسه في سبيل شعارات براقة الوعود.

والأمن المعلوماتي؛ الذي يستقيه المسؤول وصانع القرار من مصادر خارجية يثق بها وبإمكانها أن تغدر به وتقدم له معلومات غير صحيحة تساعدها في تسيير قراراته لصالحها. هنا يتطلب أن يكون المتلقي قادراً على تمحيص أي معلومة تأتيه من مصدر خارجي والتحقق من مصداقيتها رغم ما تأتي به من إثباتات. الحماية ودائم الأمن تأتي في ضمان الوفاء الداخلي وقوة مقاومة التصدع ومشجعيه!

مقالات أخرى للكاتب