28-10-2014

احذروا التأثير «التويتري»!

لدى الكثير من الناس حساب الآن في تويتر. لمن لا يعرف ما هو تويتر، فإن هذا اسم موقع، تستطيع أن تسجل فيه، ثم تكتب قطعاً صغيرة من الكلام، تكتب ما تشاء، سواء آخر أخبارك أو سؤال لفلان من الناس، أو تهنئة، أو معلومات، أو أي شيء تريده.

اكتَسَبَ تويتر نجاحه بسبب تحديده لمقدار الكلمات التي تستطيع أن تكتبها، فعكس المنتديات والمدونات والمواقع الأخرى فإن هناك رقماً واحداً يحفظه كل من يستخدم تويتر: 140. هذا الحد الأقصى من الحروف التي تستطيع أن تكتبها في التغريدة الواحدة. وكلمة «تغريدة» مجرد اسم جديد لكلمة «رسالة» التي تبثها لمن يتابعونك. وهذا التحديد في عدد الحروف هو الذي ميّز تويتر عن غيره من مواقع التواصل الاجتماعي والتعبير عن النفس. فرغم أن الإنسان يحب الكثرة في الأشياء التي يريدها إلا أنه في الحقيقة يحرص أكثر على الأشياء الأشحّ والأقل توافراً. ولو كان تويتر يسمح بعدد غير محدود من الحروف لزهد فيه الناس، ولما كان بينه وبين غيره من المواقع أي فرق. ومبدأ الشُّحّ هذا مبدأ قديم ومتأصل في النفس الإنسانية، فالتجار يعرفون أن السلعة شديدة الانتشار وسهلة التوافر لا يكون لها نفس القيمة كما السلع التي تتميز بالندرة والشح؛ ولهذا - كما رأينا سالفاً في هذا العمود - نرى أن من أسس التجارة المعاصرة كلمات مثل «الكمية محدودة»، التي تُحرّض الشخص على أن يهبَّ ويشتري السلعة، حتى لو لم يكن لها حاجة ماسة.

عودة إلى تويتر، صار الآن على كل لسان، وصار لكل مشهور بل حتى الجهات الحكومية والشركات والمنظمات، حسابات في تويتر، ولديهم الآن (وقت كتابة هذه المقالة) أكثر من ربع مليار مستخدم نشط، يرسلون أكثر من نصف مليار رسالة يومياً. محادثكم من هؤلاء. ورغم أني لا أستخدمه بشكلٍ مكثف مثل بعض مستخدميه إلا أنني بدأت ألاحظ شيئاً: أن تويتر قد يدفع الناس نحو قلة الانتباه. بهذا أقصد أن الشخص لا يستطيع التركيز إلا على النصوص القصيرة؛ فقد تعوّد الآن أن لا يقرأ إلا قطيعات صغيرة من النص، وصار بعض مستهلكي تويتر في حالة من الإدمان فيقرأ رسالة ثم التي بعدها ثم التي بعدها، وهكذا بتتابع ساخن. والذي أخشى أن يحدث هو أن يصعب على الناس أن يقرؤوا النصوص الطويلة؛ فإذا اعتاد المرء أن لا يقرأ براحة إلا إذا قرأ شيئاً قصيراً صغيراً قد يصعب عليه فيما بعد التركيز على نصٍّ طويل، مثل كتاب أو مقال طويل، ويتشتت تركيزه بسهولة، ويسرح ذهنه بعيداً.

احذروا من هذا. وزنوا هذه التقنيات الحديثة بالقراءة التقليدية للكتب والمقالات النافعة الطويلة؛ فالعقل يحتاج مثل هذا التمرين وهذه التغذية، ومن السيئ للعقل أن يتعود على استهلاك الأشياء الصغيرة فقط؛ فيفقد قدرته على التركيز والانتباه المطول، ويصير سهل التشتيت والبعثرة.

i.alammar.11@gmail.com

Twitter: @i_alammar

مقالات أخرى للكاتب