قصة قصيرة

التائه

أصدرت معدته أصواتا مكتومة, وضع يديه على بطنه لعل هذه الأصوات تخف, لكنها ازدادت حدة. وقف نادر وسط شابين يقاربانه عمرا لم يزفا إلى العقد الثالث من عمرهما. كان يأمل أن يستمرا بالحديث حتى تعلو أصواتهم على أصوات معدته لكنهما صمتا فجأة! استمرت الأصوات وأصبحت واضحة جدا. نظرا إلى بعضهما بعضا وتبادلا الابتسامات. احمرت وجنتاه وقال بصوت خجل: أنا لم أتناول غذائي وأتضور جوعا! فرد الطويل الم تتناول وجبة الغذاء في الطائرة؟ هز يده نافيا وعقد حاجبيه قائلاً: من يستطيع أكل تلك الوجبة البلاستكية! ثم ابتسم مبتهجا :هلما معي إلى المطعم، سوف أتكفل أنا بالحساب.

رد الطويل منهم: مستحيل أن أذهب الآن! انها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ولا أحس بالجوع ورد الآخر وكان ممتلئ الجسد: وأنا كذلك, كما أن الوجبات قبل النوم تسبب لي الكوابيس. ثم التفتا إليه وقال الطويل اذهب لوحدك يا نادر، إن المطعم في الشارع المقابل سوف تصل خلال خمس دقائق على الاكثر، ولا يمكن ان تفوته! اوماء نادر موافقا ثم قال الممتلئ. عد إلى الشقة فور انتهائك! لا تتأخر فأنت لا تزال غريبا في المدينة.

ودعاه ببرود كجو مدينة لندن, راقبهما بحسرة, وضع يديه في جيبه، وغطى رأسه بالكوفية, الأرض رطبة من مطر حديث، توجه إلى ادجوارد رود بلندن كما أشارا اليه، الشارع كان خاليا من المارة والسيارات, الظلام يعم المكان عدا إنارة الشارع، حتى الأصوات عدا حفيف الأشجار من بيكادلي. مرت ربع ساعة وهو يمشي على غير هداية, مر بجانب رجل ثيابه رديئة, رائحته نتنة, افترش الأرض نائما, أو هكذا ظن.

حاول أن يقرأ اللافتات لكن لغته الركيكة التي تغذى عليها منذ الصغر في المدارس الحكومية لم تسعفه. تلفت يمنة ويسرى، فقد شهيته وقرر العودة من حيث أتى, كان الرجل نتن الرائحة قد استفاق واخذ يقول كلاماً غير مفهوم, جفل نادر منه وابتعد متقززا, سلك شارع تيقن خلال دقائق انه مختلف. مرت دقائق أخرى طويلة كالساعات،أصيب بالهلع. هو لا يعرف حتى عنوان السكن، فقد جاء من المطار بوريقة أعطاها سيارة الأجرة, صاح فرحا: اااه الوريقة! إنها الحل؟! اخذ يبحث عنها في جيوبه كالمجنون, أخرجها منتصرا بيمناه، ثم أمسكها بكلتا يديه كوثيقة نجاة, كاد أن يقبلها كعشيق ولهان. حاول قراءة العنوان لكن لا الإضاءة أسعفته ولا معلوماته اللغوية.

«ماااان».. صوت اجش مصحوب برائحة نافذة مقرفة.. جفل من الصوت والتفت مذعورا ليشاهد ذلك المشرد ينظر إليه بشرود بملابسه القذرة وشعره المنكوش, أسنانه صفراء, لون جلده رمادي كلون الرصيف. وقف كالصنم، تقدم منه المشرد خطوة فعاد إلى الوراء خطوتين. مد المشرد يده إليه فاتحا كفه فما كان من نادر إلا أن فر هاربا لا يلوي على شيء.

توقف بعد أن أنهكه التعب وقف يلتقط أنفاسه، التفت وراءه لتحتفل عيناه باختفاء المشرد. تنهد فرحا عزم على العودة في أسرع وقت لكنه لم يجد الوريقة, أخذ يندب حظه. كيف يعود إلى السكن؟ سمع أصوات أصدقائه في عقله ينادونه, واصل يندب حظه, ارتفعت أصوات أصحابه في عقله, هيا تعال ماذا تفعل, غضب من نفسه, غضب من عجزه. ماذا افعل بهذه البلاد الباردة؟ أريد العودة إلى بلادي الدافئة, حيث يدلني ألف شخص إلى أي مكان.

ضربة هائلة بجانبه, صاح مذعورا ليشاهد كرة تقفز أمامه. رفع رأسه ليرى من رماها ليشاهد أصدقاءه ينادونه من نافذة الشقة.. تعال هنا، لم تأخرت!!.

- على محمد الماجد